B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

إسبانيا – فرنسا: “تجاوز” اقتصادي حقيقي لكن يحتاج إلى بعض التحفّظ

Par Maghreb Émergent
21 سبتمبر 2025

ثورة هادئة وصامتة تحدث في جنوب أوروبا: تُظهر إسبانيا نتائج أفضل من فرنسا في العديد من المؤشرات الرئيسية. وهذا ما دفع كاتب الافتتاحية في صحيفة "إل باييس"، خافيير فيدال-فولش، إلى الحديث عن "تجاوز" حقيقي (sorpasso). لكن رغم جاذبية الكلمة، من المهم التعامل مع هذا الحكم بكثير من الحذر.

نمو اقتصادي أكثر قوة

بعد الجائحة، انتعش الاقتصاد الإسباني بوتيرة أسرع من المتوقع. فقد قام المعهد الوطني للإحصاء (INE) بمراجعة توقعاته للنمو لعام 2024 إلى 3.5%، بينما تدور التوقعات لعام 2025 حول 2.7%. وفي المقابل، تكافح فرنسا لتجاوز 1%. يُعزى هذا الزخم الإسباني إلى التوسع الواضح في سوق العمل، والإنفاق الاستهلاكي المستمر، والانتعاش في الاستثمار. على المدى القصير، من الواضح أن مدريد تستفيد من دورة اقتصادية أكثر إيجابية.

مالية عامة في وضع أفضل

يبرز الفرق أيضاً في العجز العام. إذ خفّضت إسبانيا عجزها إلى نحو 3.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 (وحتى 2.8٪ عند استبعاد بعض العوامل الاستثنائية)، بينما ارتفع العجز الفرنسي إلى حوالي 5.8٪. كما أنّ الدين العام يسلك اتجاهاً متبايناً: يقارب في إسبانيا 101٪ من الناتج، مقابل نحو 113٪ في فرنسا. الفارق ليس ضخماً، لكنه يقطع مع عقدٍ كانت فيه إسبانيا – التي عانت سابقاً أزمة الديون السيادية – تُعتبر الحلقة الأضعف.

انقلاب في نظرة الأسواق


تعكس وكالات التصنيف هذا التحول. ففي سبتمبر، خفّضت وكالة فيتش تصنيف ديون فرنسا من AA- إلى A+، بينما رفعت ستاندرد آند بورز تصنيف إسبانيا من A إلى A+. والنتيجة: أصبح الفارق في تكلفة الاقتراض مقارنةً بألمانيا («علاوة المخاطر») أقل بالنسبة لإسبانيا (56 نقطة أساس) مما هو عليه بالنسبة لفرنسا (82 نقطة). أي أن المستثمرين يرون حالياً أن السندات الإسبانية أقل خطراً بقليل من الفرنسية – وهو أمر كان غير متصور قبل عشر سنوات، إبان أزمة الديون الأوروبية

أسباب هيكلية… وظرفية


هل يعني ذلك تغيّراً دائماً في النموذج الاقتصادي؟ جزئياً فقط.. فمدريد تستفيد من تأثير اللحاق بالركب بعد سنوات من الركود في الأنشطة الاقتصادية ومن سوق عمل يخلق فرصاً وظيفية بوتيرة ثابتة. الإيرادات الضريبية ترتفع بشكل تلقائي، في حين تبقى السياسة المالية مستقرة نسبياً. في فرنسا، أدت التخفيضات الضريبية التي أقرها إيمانويل ماكرون - على الثروة والشركات والإنتاج - إلى تقليص الإيرادات، بينما يعقد عدم الاستقرار السياسي الإصلاحات. لكن هذه الفروق تعكس أيضاً الظروف الاقتصادية الحالية: التضخم، والانتعاش بعد جائحة كورونا، والسياسات النقدية والمالية المواتية.

"تجاوز" محدود

ومع ذلك، يرى المحللون أن الحديث عن «تفوق شامل» سيكون مضللاً. فإسبانيا لا تزال أقل إنتاجية للفرد الواحد، ومتوسط دخلها لا يزال أقل من فرنسا. ورغم أن الدين العام الإسباني أقل نسبياً، فإنه لا يزال يتجاوز 100٪ من الناتج، ما يعني أن أي ارتفاع مستدام في أسعار الفائدة قد يقلب المعادلة سريعاً. إضافة إلى ذلك، يظل سوق العمل الإسباني متأثراً بنسبة مرتفعة من الوظائف المؤقتة.
في المحصلة، نجحت إسبانيا فعلاً في التفوق على فرنسا في بعض المؤشرات الاقتصادية الأساسية: النمو، العجز، ونظرة الأسواق المالية. وهو إنجاز رمزي لبلد كان يُنظر إليه طويلاً على أنه الحلقة الضعيفة في منطقة اليورو. غير أن هذا «التفوّق» يبقى إلى الآن صورة آنية: دليل على تسارع ملحوظ، أكثر منه انقلاباً دائمًا في ترتيب القوى الاقتصادية الأوروبية.