تمكن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD أخيرا، من عقد جامعته الصيفية، نهاية الأسبوع المنقضي، في مقر التعاضدية الوطنية لعمال مواد البناء في زرالدة، غرب العاصمة. كان هذا الحدث السنوي مهددًا بالإلغاء بعد رفض إداري لعقده في البداية بملبو، ولاية بجاية، لكنه أنُقذ في اللحظة الأخيرة بعد الحصول على ترخيص متأخر.
إفتتح الجلسة الأمين العام للحزب، عثمان مزوز، الذي أشاد بالمثابرة التي أظهرها المناضلون وذكر بالغرض من هذا اللقاء السنوي: الحفاظ على فضاء مستقل للتفكير السياسي والفكري بالرغم من العراقيل البيروقراطية.
في هذا المناخ من التعبئة المتجددة، ألقى الصحفي والمحلل الاقتصادي إحسان القاضي، الشريك المؤسس لـ "مغرب إيماجنت"، المحاضرة الافتتاحية حول موضوع: "لماذا التنويع الاقتصادي هو في الأصل مشروع سياسي؟". وهو موضوع ملتهب في الوقت الراهن في ظل استمرار اعتماد الاقتصاد الجزائري على النفط والغاز كمركز للنقاش العام.
تشخيص فشل تاريخي
في مقدمته، وضع إحسان القاضي قضية التنويع في جوهر التاريخ الاقتصادي للنظام الجزائري. فقد أشار إلى أنه منذ أكثر من أربعين عامًا، كان التنويع هدفًا رسميًا مؤكدًا في جميع الخطابات الرئاسية والحكومية، لكنه لم يتجسد مطلقًا في تغيير هيكلي مستدام. "الجزائر في عام 2025 لا تزال دولة لم تتمكن من إطلاق اقتصاد متحرر بشكل كبير من عائدات الطاقة كما نجحت دول نفطية سابقة أخرى"، هكذا لخّص، مشددًا على ثبات المؤشرات التي تعكس هذا الفشل النسبي.
استند المحاضر إلى سلسلة من الأرقام الرئيسية: حصة الجباية النفطية والغازية في الإيرادات الوطنية لا تزال تزيد على 40%، الصادرات غير المتعلقة بالهيدروكربونات تقل عن 15% من الإجمالي، وحصة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 6% مقارنة بأكثر من 13% في الثمانينيات. وإذا استثنينا محاولة إصلاحات السوق بين 1989 و1991، فإن حتى الفترات التي شهدت تراجعًا في العائدات – سواءً بسبب الكميات (1983) أو الأسعار (2009 و2014) – لم تحدث تحركًا جديًا نحو التنويع.
لتعزيز حجته، أجرى إحسان القاضي مقارنة دولية. البلدان التي نجحت في انتقالها – كالمكسيك وإندونيسيا وماليزيا – نجحت في تقليص حصة الهيدروكربونات في صادراتها وإيراداتها من خلال التصنيع المكثف وتنفيذ سياسات مالية ومؤسساتية متماسكة. في المقابل، تظل الجزائر ونيجيريا وفنزويلا أمثلة على صعوبة الأنظمة الريعية في الخروج من نموذج حيث تُحدد الموارد الطبيعية العلاقة بين الدولة والمجتمع.
تنويع يعني قبول تغيير التوازنات السياسية
تجاوز الصحفي التشخيص الاقتصادي ليبرز البعد السياسي الأساسي لعملية التنويع. قال: "اقتصاد متنوع يفتح الباب أمام تغييرات عميقة في النموذج الاجتماعي، كتعليم البنات وارتفاع المستوى التعليمي للسكان". هذا يعني السماح باستقلالية الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، وإرساء عقد جبائي مواطن قائم على المساءلة، وقطع مع نظام إعادة توزيع الريع العمودية الذي يضع المجتمع في تبعية.
وفقًا لإحسان القاضي، "وراء التنويع الاقتصادي يكمن للكتلة الاجتماعية الحاكمة خطر ديمقراطي: خطر فقدان السيطرة على احتكار السلطة السياسية". بعبارة أخرى، قبول اقتصاد مفتوح ومتعدد يشمل قبول المنافسة، الشفافية والمشاركة - وهي مفاهيم تُضعف نظام الاحتكار وإعادة توزيع الريع الذي يقوم عليه الاستقرار السياسي للنظام.
لهذا السبب، يرى أن فشل التنويع ليس مجرد حادث اقتصادي، بل هو النتيجة المنطقية لاختيار سياسي غير معلن للحفاظ على السلطة.
تنويع الواجهة
في ختام مداخلته، وضع المحاضر وعود السلطة الحالية في إطارها الصحيح. يكرر الرئيس عبد المجيد تبون طموحه الدائم في التنويع الاقتصادي ويحدد أهدافًا واضحة مثل رفع الناتج المحلي الإجمالي الوطني إلى 400 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، مضاعفة الصادرات غير النفطية إلى 13 مليار دولار، وزيادة الحصة الصناعية في الناتج المحلي إلى 15%.
لكن بالنسبة لإحسان القاضي، هذه التصريحات أقرب إلى الاتصالات السياسية منها إلى استراتيجية متماسكة: "يبقى خطة العمل امتدادًا للنموذج الاستخراجي"، مستشهدًا بمشاريع استغلال خام الحديد في غار جبيلات، والفوسفات، والرصاص والزنك في تالة حمزة، والتي تُقدم فعليًا كأعمدة جديدة للنمو، الذي في الواقع لا يعتمد إلا قليلاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تضمن التنويع الصناعي. النموذج لا يزال قائمًا على استغلال الموارد الطبيعية. حذر إحسان القاضي من أن المرحلة التالية ستكون على الأرجح استغلال الغاز الصخري بواسطة الشركتين الأمريكيتين إكسون وشيفرون.
نقاش بين مناضلين واعين
كان النقاش الذي تلا مداخلته غنيًا بشكل خاص. تساءل العديد من المشاركين عما إذا كان من الممكن بناء عقد سياسي حول التنويع، داعين إلى العودة إلى التخطيط الاستراتيجي ودور الدولة كفاعل استراتيجي قادر على تعبئة الموارد الوطنية خارج القطاع الاستخراجي فقط.
بين الواقعية الاقتصادية والمطلب الديمقراطي، فتحت المحاضرة الافتتاحية للجامعة الصيفية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD) فضاءً للنقاش حول طبيعة التنمية في الجزائر نفسها: ليست مجرد تعديل بسيط في السياسة الاقتصادية، بل تحول عميق في العقد السياسي الوطني. واستمرت الجامعة الصيفية طوال عطلة نهاية الأسبوع.]