B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

بورصة الجزائر: انسحاب بنك BNP باريبا لا علاقة له بالتوتر مع باريس

Par سامي إنجار
23 سبتمبر 2025
bourse alger- bnp paribas algérie
انفصال بالتراضي بين بورصة الجزائر وبي إن بي باريبا الجزائر

كانت الفوضى كاملة. فبينما قُدِّم الأمر على أنه شطب فرضته لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة (COSOB)، فإن انسحاب بنك BNP Paribas من بورصة الجزائر يعود في الحقيقة إلى طلب طوعي من البنك الفرنسي.

ولفهم هذا الانسحاب، لا بد من العودة إلى مسار الإجراءات. فبحسب المعلومات التي حصلت عليها Maghreb Emergent من مصدر مقرّب من BNP Paribas الجزائر، فقد تقدّم البنك منذ 3 أكتوبر 2022 بطلب رسمي للتخلي عن اعتماده كوسيط في عمليات البورصة (IOB). وقد اختُتمت العملية هذا الأسبوع مع التحويل النهائي لحسابات زبائن البنك إلى متعاملين آخرين معتمدين.

البرقية التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الأحد الماضي، نقلاً عن بيان لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة (COSOB)، أوحت – خاصة في طريقة تناولها من قبل العديد من وسائل الإعلام – بأن الأمر يتعلق بشطب بمبادرة من الهيئة التنظيمية. وفي هذه الحالة، كان الربط بالأزمة السياسية بين الجزائر وباريس شبه حتمي. لكن الواقع مختلف تماماً. فدوافع انسحاب بي إن بي باريبا من دور الوسيط في البورصة تعود لأسباب إدارية واقتصادية بحتة، وتكشف بالأخص عن ضعف السوق المالية الجزائرية.

انسحاب طوعي بدأ منذ 2022

وفقاً للمعلومات التي حصل عليها Maghreb Emergent، فإن بي إن بي باريبا الجزائر شرع منذ خريف 2022 في إجراءات التخلي عن دوره كوسيط في البورصة. ففي 3 أكتوبر 2022، وجّه البنك طلباً رسمياً إلى لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة لوقف نشاطه في مجال الوساطة.

وقد سارت الإجراءات وفق المسار الإداري المعتاد، حيث قامت اللجنة في 1 فبراير 2023 بشطب بي إن بي باريبا من قائمة الوسطاء المعتمدين. وخلال الفترة الانتقالية، تم تنظيم شراكة مع بنك سوسيتيه جنرال الجزائر- Société Générale Algérie - لضمان استمرارية إدارة حسابات الزبائن. وقد انتهت هذه المرحلة هذا الأسبوع مع تحويل آخر المحافظ إلى جهات فاعلة أخرى في السوق.

التباس إعلامي حول بيان لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة

اللبس نشأ من صياغة بيان لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة الذي نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، ثم تداولته عدة صحف. فقد تم تهميش المعلومة الأساسية، وهي أن الشطب جاء بناءً على طلب البنك الفرنسي. وقد توحي القراءة السريعة بأن المبادرة جاءت من الهيئة التنظيمية نفسها. وفي ظل التوتر الدبلوماسي الحاد بين الجزائر وفرنسا، فتحت هذه القراءة المجال لتفسيرات سياسية لانسحابParibas BNP من بورصة الجزائر. لكن، وفقاً لما كشفه المصدر لـ"مغرب إيميرجون"، فإن القرار نابع من اعتبارات استراتيجية وإدارية داخلية. فالبنك الفرنسي اختار الانسحاب لأسباب تخصه، والهيئة التنظيمية لم تقم سوى بتوثيق هذا القرار.

بورصة الجزائر تعاني من ضعف مزمن

انسحاب بي إن بي باريبا الجزائر يسلّط الضوء أيضاً على الصعوبات الهيكلية التي تواجه بورصة الجزائر. فمنذ تأسيسها، لم تتمكن من الإقلاع الحقيقي، وظلت محدودة من حيث عدد الشركات المدرجة وضعف السيولة.
ورغم إدراج بنك التنمية المحلي (BDL) سنة 2025، والذي أعطى أملاً في انتعاش النشاط، إلا أن القيمة السوقية تراجعت، مما عزز الشكوك حول قدرة السوق على جذب المستثمرين بشكل مستدام. كما أن حجم التداولات بقي ضعيفاً، مما يقلل من جاذبية السوق بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية الكبرى.

دور الوسيط غير مربح في الأسواق الصغيرة

قرار بي إن بي باريبا يعكس مشكلة هيكلية: ففي الأسواق المالية ذات العمق المحدود مثل الجزائر، فإن نشاط الوساطة لا يحقق عوائد كافية مقارنة بالتكاليف الثابتة (التكنولوجيا، الامتثال، البنية التحتية، الموارد البشرية).
فالعمولات المحصّلة من حجم تداولات منخفض لا تسمح بتحقيق ربحية مرضية. ويقول المصدر لـ Maghreb Emergent : «انسحاب بي إن بي باريبا يندرج ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تركيز البنك الفرنسي على أسواقه الأكثر ديناميكية». وهذا التوجه لا يقتصر على الجزائر، بل يشمل أيضاً أسواقاً إفريقية أخرى، حيث قامت عدة بنوك فرنسية بتقليص أو إعادة تنظيم وجودها خلال السنوات الأخيرة.

توجه عام للبنوك الفرنسية في إفريقيا

منذ أكثر من عقد، بدأت البنوك الفرنسية الكبرى تقلّص تدريجياً حضورها في إفريقيا، من خلال التخلي عن بعض الفروع أو إعادة تركيز نشاطها على الأسواق الأكثر ربحية. ولم يكن بي إن بي باريبا استثناءً من هذه القاعدة. ففي الجزائر، تجسّد هذا الخيار في التخلي عن أنشطة اعتُبرت هامشية أو ضعيفة الربحية، ومنها الوساطة في البورصة. وبالنظر إلى محدودية عمق السوق الجزائرية وضعف جاذبيتها، لم يكن من الممكن اعتبار بورصة الجزائر محوراً استراتيجياً مستداماً للبنك الفرنسي.