تعتمد الجزائر بشكل مفرط على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، في وقت تتراجع فيه مساهمة الطاقة الشمسية إلى مستويات هامشية. هذا الاختلال يكلف البلاد مليارات الدولارات ويضعها أمام تحدي التحول نحو الطاقات المتجددة.
في الجزائر، يعتمد أكثر من 85٪ من إنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي، وهو خيار يثقل كاهل الفاتورة الطاقوية ويحرم البلاد من مليارات الدولارات من عائدات التصدير. ورغم أن الجزائر تستفيد من نحو 3000 ساعة من أشعة الشمس سنويًا، إلا أنها لم تستثمر هذا المورد بالشكل الكافي لتقليص الاستهلاك المحلي وتحرير كميات إضافية للتصدير.
تُعد الجزائر من بين أكثر الدول المؤهلة عالميًا لاستغلال الطاقة الشمسية، لكن هذا الإمكان لا يزال غير مستغل، بسبب التوجه نحو الوقود الأحفوري الذي يدفع إلى حرق كميات ضخمة من الغاز في محطات الكهرباء، على حساب العائدات بالعملة الصعبة.
في عام 2024، تجاوز الاستهلاك الوطني للكهرباء 80 تيراوات/ساعة، مقابل 52 تيراوت/ساعة قبل عشر سنوات، وفقًا لشركة سونلغاز. ويُعزى هذا النمو إلى ارتفاع الاستهلاك المنزلي، المدفوع باستخدام أجهزة التكييف، إضافة إلى التوسع الصناعي والعمراني.
نموذج يكلف الجزائر مليارات الدولارات
هذا التوجه الأحفوري، إلى جانب ضعف الإقبال على الطاقة الشمسية، له كلفة باهظة. ففي عام 2024، استهلك السوق الداخلي نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، معظمها في إنتاج الكهرباء، حسب وزارة الطاقة. وهذا يعادل تقريبًا نصف الإنتاج الوطني القابل للتسويق. وعلى السوق الدولية، يدر كل مليار متر مكعب مصدر نحو 400 مليون دولار لصالح سوناطراك. لكن حين يُحرق الغاز في المحطات، فإنه يضيء المنازل بدلًا من أن يُحول إلى عملة صعبة أو يُستغل في الصناعات البتروكيميائية.
في الوقت الذي تنشر فيه أوروبا محطات ضخ المياه وتخزين الطاقة، وتستثمر الصين في الهيدروجين الأخضر لتثبيت شبكاتها، تبقى الجزائر حبيسة نموذج شبه حصري يعتمد على الغاز. أما الطاقة الشمسية، رغم وفرتها، فلم تمثل سوى 3٪ من المزيج الكهربائي في عام 2024.
وراء هذا الواقع يكمن خيار سياسي واضح: إنتاج كهرباء وفيرة، مدعمة ورخيصة للاستهلاك الداخلي، ولو على حساب مليارات الدولارات من عائدات التصدير. إذ تُحتسب الكهرباء المنزلية بحوالي 4 دنانير للكيلووات/ساعة، وهو سعر بعيد عن التكلفة الحقيقية ولا يُقارن بالأسعار الأوروبية.
مشروع "ميدلينك": مخرج ممكن من الفخ
في هذا السياق، يبرز مشروع "ميدلينك"، الذي صادق عليه الاتحاد الأوروبي في 2025 كمشروع ذي مصلحة مشتركة. وهو عبارة عن ربط كهربائي بحري بين الجزائر وإيطاليا عبر تونس، بطاقة متوقعة تبلغ 2000 ميغاوات. الهدف: تصدير كهرباء خضراء مباشرة إلى أوروبا، تُنتج في الجزائر من قدرات شمسية وريحية مستقبلية.
وفقًا للتقديرات، يمكن لـ"ميدلينك" أن يستوعب حتى 10 جيغاوات من الطاقات المتجددة وينقل نحو 30 تيراوات/ساعة سنويًا إلى الاتحاد الأوروبي، أي ما يعادل 8٪ من استهلاك الكهرباء في إيطاليا. ويُنفذ هذا المشروع بالشراكة بين سونلغاز، سوناطراك وشركة إيني ENI، ما يتيح للجزائر تثمين كهربائها خارج الحدود وتقليص، ولو جزئيًا، هدر الغاز في السوق المحلي. في نهاية المطاف، تواصل الجزائر التضحية بجزء من عائداتها بالعملة الصعبة بسبب غياب التخزين والتنوع الطاقوي.
ويُعد "ميدلينك" نافذة استراتيجية لتحويل الكهرباء، التي تُستهلك محليًا بشكل عابر، إلى مصدر دخل قابل للتصدير. وبين النزعة القصيرة المدى والطموح، تجد الجزائر نفسها أمام منعطف حاسم في مستقبلها الطاقوي. لكن الحل المستدام يبقى في التحول الجاد نحو الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء