خلال كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، غادرت عشرات الوفود الرسمية القاعة احتجاجًا على جرائم الإبادة في غزة. لكن مالي ، ولأول مرة كانت ضمن الدول التي لم تقاطع الخطاب، إلى جانب المغرب، الإمارات، البحرين، غينيا بيساو، أذربيجان، جيبوتي، بنغلاديش، وسلطنة بروناي.
هذا الموقف اعتُبر مؤشرًا رمزيًا، يوحي بمرونة أو على الأقل برغبة مالية في عدم الانخراط في موقف جماعي ضد إسرائيل، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات حول تغيّر محتمل في السياسة الخارجية لباماكو، والإنفتح على تل أبيب بالتطبيع.
ومنذ سنوات تقود الجزائر جهوداً دبلوماسية لمنع عضوية الإحتلال الإسرائيلي في منظمة الإتحاد الإفريقي ، كدولة بصفة عضو مراقب.
الرباط تعزّز حضورها في الساحل بتتبع أزمات الجزائر
في موازاة ذلك، برز التقارب المغربي–المالي بشكل أوضح. فقد عقد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة اجتماعًا في نيويورك مع نظرائه من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، لمتابعة تفعيل المبادرة الملكية التي تتيح لدول الساحل الوصول إلى المحيط الأطلسي.
هذه الخطوة تضع المغرب، المطبع مع إسرائيل منذ 2020، في قلب ديناميات الساحل على حساب الجزائر. ويرى مراقبون أن الرباط قد توظف علاقاتها وشراكاتها لتهيئة الظروف التي قد تدفع مالي نحو تقارب مع تل أبيب، خاصة في ظل إعادة رسم التحالفات الإقليمية.
وتراهن الرباط، على قواعد عسكرية جديدة في الساحل لصالح إسرائيل و بحثاً عن مزيد المضايقات العسكرية والاستخباراتية ضد الجزائر.
اتهامات ثقيلة ضد الجزائر
أما المؤشر الثالث فيرتبط بالأزمة المفتوحة بين مالي والجزائر. ففي 26 سبتمبر 2025، اتهم رئيس الوزراء المالي عبد الله مايغا الجزائر علنًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ"دعم الإرهاب الدولي"، متوعدًا بالرد بالمثل على أي اعتداء.
باماكو صعّدت أكثر بإعلانها تقديم شكوى أمام محكمة العدل الدولية، بعد حادثة إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي، اتهمت الجزائر بتدميرها. ووصفت السلطات المالية ما حدث بأنه "عدوان سافر" و"جزء من سلسلة أعمال عدائية"، بينما ردّت الجزائر بالنفي، معتبرة الخطوة "مناورة يائسة" لتبرئة القيادة المالية من إخفاقاتها الداخلية.
إعادة إحياء مشروع لقاء ليبريا
وسبق أن شكّل اللقاء الذي جمع الرئيس المالي السابق "إبراهيم بوبكر كيتا"، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في ليبيريا سنة 2017، والاتفاق على زيارة قريبة للوزير الأول (رئيس الوزراء) المالي لـ "تل أبيب"، أبرز خطوات سيناريو التطبيع المتسارع بين البلدين.
تشير معطيات عدة إلى أن الاتصالات المتقدمة التي تمت سابقاً بين إسرائيل وجمهورية مالي؛ تواجه رفضا كبيرا من الشعب المالي ومعظم القوى السياسية والدينية، حيث يشكّل المسلمون نسبة 90%، في مالي، إلا أن تبرير الورقة الأمنية في دعم أمن البلاد ضد التزاع المسلح قد يؤت أكله هذه المرة.
ورغم وجود معوقات داخلية أمام سيناريو التطبيع في الجمهورية المسلمة، إلا أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتشاد، يشي بقرب عودة العلاقات بين إسرائيل ودولتي النيجر ومالي؛ نظرا للتقارب الحاصل بين هذه الدول في الشأن السياسي، والأمني وخصوصا ملف الصراعات الداخلية بين الإثنيات وقدرة إسرائيل على استغلال هذا المنفذ للدخول إلى هذه الدول الأفريقية، رغم ما سيترتب على ذلك من أزمات إضافية على كافة المستويات.
تراكم هذه المؤشرات – البقاء في القاعة أثناء خطاب نتنياهو، التقارب مع المغرب، والتصعيد غير المسبوق ضد الجزائر – يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تمهّد مالي بالفعل لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟
حتى الآن، لا توجد خطوة رسمية معلنة، لكن السياق الإقليمي المضطرب والعزلة الدولية التي تواجهها باماكو يجعلان هذا الاحتمال قائمًا، ولو كخيار تكتيكي تبحث من خلاله مالي عن أوراق دعم جديدة.