B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

منفتحة خارجياً من سلوفينيا و متحصنة داخليًا ب”الملاجىء” : الجزائر رهان مسارين استراتيجيين !

Par S.Boudour
16 مايو 2025
منفتحة خارجياً من سلوفينيا و متحصنة داخليًا ب”الملاجىء” : الجزائر رهان مسارين استراتيجيين !

في توقيت لا يخلو من الدلالة، فتحت الجزائر نافذتها نحو سلوفينيا، الدولة الأوروبية الصغيرة، لتؤسس معها تقاربًا دبلوماسيًا لافتًا، في الوقت الذي كانت فيه أبواب باريس تُغلق، وتحركات موسكو تُثير القلق.

المشهد لا يتعلق فقط بتقلبات دبلوماسية، بل يكشف تحولًا عميقًا في فلسفة السياسة الخارجية الجزائرية، يُوازيه استعداد داخلي يعيد مفهوم التعبئة العامة إلى الواجهة.

سلوفينيا: الشريك الهادئ في عالم مضطرب

في مارس 2025، صادق مجلس الوزراء على مرسوم يُعفي حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من التأشيرة بين الجزائر وسلوفينيا، وذلك بعد 7 أشهر من افتتاح متبادل للسفارات.

هذه الخطوات، وإن بدت تقنية، إلا أنها تحمل دلالة سياسية عميقة: الجزائر تتجه نحو شراكات أوروبية غير تقليدية، تبحث فيها عن الاحترام المتبادل، بعيدًا عن الأثقال التاريخية.

سلوفينيا، بخلفيتها السياسية المحايدة وعدم تورطها في ماضي استعماري، تمثل خيارًا ذكيًا للجزائر، التي تبحث عن شركاء جدد في الضفة الشمالية، دون تعالٍ فرنسي أو نفوذ روسي.

فرنسا: من أزمة تأشيرات إلى أزمة ثقة

في المقابل، تتصاعد الأزمة مع فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة. مطلع شهر ماي الجاري ، فرضت الجزائر قيودًا جديدة على دخول المسؤولين الفرنسيين، بمن فيهم حاملو الجوازات الرسمية.

وردّت باريس بلهجة تصعيدية، مستنكرة ما اعتبرته خرقًا لاتفاق 2013، ومهددة بإجراءات إضافية.

هذا التوتر لم يعد مجرد خلاف دبلوماسي، بل أصبح تعبيرًا عن نهاية مرحلة من العلاقات لم تعد تُناسب تموضع الجزائر الجديد. لم تعد باريس الشريك المفضل، بل تحوّلت إلى طرف مشكوك في نواياه السياسية، يُعاقب استقلالية القرار ويُلوّح بإرث الهيمنة.

وأول أمس، ألزمت الخارجية الفرنسية، الجزائريين من حملة الجوازات الدبلوماسية ، بالتأشيرة كشرط للإقامة، أو مغادرة البلاد.

الجزائر، تواصل ربط الأزمة، باليمين المتطرف، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يعطيها صبغة مشكوك فيها، يسحب سفيره بالجزائر، ويؤطر سياستها الخارجية اتجاه المغرب كما الجزائر.

روسيا: الحليف الثقيل الذي يستقبل الخصوم

في الجانب الآخر، بدأت موسكو تُربك حلفاءها التقليديين. فقد استقبلت روسيا خصومًا استراتيجيين للجزائر: المشير خليفة حفتر من ليبيا، وقائد الانقلاب في بوركينا فاسو الذي شن هجومًا لفظيًا مباشرًا ضد الجزائر بعد حادثة الطائرة المالية.

ومن قبل استقبلت روسيا ، وزراء خارجية دول الساحل ،لتنسيق التعاون في مكافحة "الارهاب" الذي تتهم فيه دول الساحل ، الجزائر ب"دعمه"، في اشارة إلى موقفها من حركة الأزواد الموقعة على اتفاق المصالحة المبرم في الجزائر، بأيادي مالية.

ورغم الشراكة العسكرية المعروفة، كان غياب الجزائر عن احتفالات روسيا بالذكرى الـ80 للنصر على النازية إشارة رمزية على فتور العلاقة وتبدّل الاصطفافات.

هُنا كانت صراحة الجزائر، اتجاه الإنقلاب في مالي ودول الساحل ، في نفس مستوى صراحة سلوفينيا، من الغزو الروسي لأوكرانيا، الأولى أغلقت حدودها مع باماكو ، والثانية مع موسكو.

التعبئة العامة: بناء ملاجىء !!

وفي ظل هذه المستجدات الخارجية، تتحرك الجزائر داخليًا بحذر وصرامة. حيث دق تقرير اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني، ناقوس الخطر، داعيًا إلى “الإسراع في إعداد الوسائل اللوجستية ومنشآت الحماية كالملاجئ، وتكييف المنشآت القاعدية وعلى رأسها الطرقات مع متطلبات التعبئة العامة والأزمات، خاصة لوقت الحرب”.

التقرير لم يكتف بالتحذير اللوجستي، بل وجه رسالة سياسية واضحة: “في العلاقات الدولية، لا الحليف يبقى حليفًا ولا الصديق يحفظ صداقتك، إنما هي مصالح متبادلة في ظل فرض الاحترام، ما يوجب الاستعداد وإعداد العدة”.

وتؤكد اللجنة، أن الجزائر استفادت من ماضيها وتجارب الدول الأخرى التي سقطت فريسة للفوضى والتقسيم ونهب الثروات. لذا فإن الدولة، وفق التقرير، تعمل على عصرنة المنظومة الدفاعية، وتحديث إمكانياتها العسكرية، وتوفير الوسائل المادية والبشرية للدفاع والأمن الوطني.

وتؤكد الواجهة السياسية في البلاد، على أن التعبئة العامة هنا لا تُقرأ فقط كمجهود عسكري، بل ك"عقيدة وطنية تؤمن بأن الأمن القومي يبدأ بالجاهزية الشاملة"، ويمر عبر وعي شعبي لا يثق بسهولة، ولا يركن للحلفاء حتى وإن بدوا ودودين.

: مبدأ “الاحترام مقابل التعاون”

في ظل هذه التطورات السريعة، فان الإسراع في خلق تحالفات وتوجهات جديدة ، في ظل سلوفينيا التي تمثل الانفتاح، وفرنسا التي تجسد التوتر، وروسيا التي توحي بالغموض، والسير على خط دقيق: تحصين الداخل وتحديث الخارج، تعبئة داخلية استراتيجية، وشبكة شراكات تقوم على الندية، والمعاملة بالمثل، قد تقلل من "نوايا الحقد والشر"، دون تجاهل حتمية "معالجة صداع الداخل".

فالجزائر ، أظهرت انها لا تريد غلق الأبواب المقلقة ، لكنها تفتح في مقابل ذلك النوافذ بتأنٍ، وتُعيد تعريف التحالفات في عالم لا مكان فيه للثقة المجانية، بل لمعادلة دقيقة: الاحترام مقابل التعاون، والسيادة قبل كل شيء، رأس مال التعاون المحروقات ، و رأس مال السيادة : شرعية الداخل.