B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

نفطال في موريتانيا: رهان عقلاني بقدر ما هو محفوف بالمخاطر 

سامي إنجار 2 ديسمبر 2025
نفطال يصل إلى مجال موريتاني تتواجد فيه بالفعل شركتا أفريقيا وستار أويل

تخطط الحكومة الجزائرية لدخول شركة نفطال، فرعِ سوناطراك المتخصص في توزيع الوقود، إلى السوق الموريتانية. وتندرج هذه المبادرة ضمن رغبة الجزائر في جعل قطاعها الخاص بالأنشطة البترولية اللاحقة تدريجياً إلى رافعة للتصدير الإقليمي للمنتجات المكررة، بعد أن بلغت الاكتفاء الذاتي وحققت، في عام 2025، فوائض إنتاجية.

غير أن السوق المستهدفة تبقى محدودة: فموريتانيا تستهلك أكثر بقليل من مليون طن من المنتجات النفطية سنوياً (مقابل نحو 20 مليوناً في الجزائر)، أساساً من الغازوال والفيول الموجهة للنقل وإنتاج الكهرباء والأنشطة المنجمية. وبحكم اعتماده الكامل على الواردات، يتشكل قطاع توزيع المحروقات فيها من فاعلين رئيسيين: مجموعة أكوا – أفريقيا (Akwa – Afriquia) المغربية، التي استحوذت سنة 2023 على شبكة توتال إنرجيز موريتانيا (TotalEnergies Mauritanie)، وشركة ستار أويل (Star Oil) الموريتانية ذات الحضور الإقليمي المتنامي. ذلك هو المشهد المنظم مسبقاً الذي تسعى فيه نفطال إلى إ إيجاد موقع لها.

عندما يُبنى قطاع الأنشطة اللاحقة الإفريقي بمنطق إقليمي

تُظهر التجربة الحديثة في توزيع الوقود بأفريقيا أن الفاعلين الناجحين هم الذين راهنوا مبكراً على التوسع العابر للحدود. النموذج الاقتصادي لهذا القطاع بات معروفاً: هوامش ربحية ضعيفة غالباً ما تكون مؤطرة من طرف الدول، لكن أحجام مبيعات متكررة تجعل النشاط مربحاً بشرط توفر حجم كافٍ ولوجستيات قوية (تخزين، نقل، بنى تحتية مينائية وطرقية). إنه قبل كل شيء قطاع تدفقات، أكثر منه مجالاً لربحية استثنائية.
ثلاثة أمثلة تبرز هذا النجاح. أولها شركة أو إل آ إي إنرجي (OLA Energy)، المعروفة سابقاً باسم أويل ليبيا (OiLibya)، التي بنت محفظة تغطي أكثر من خمسة عشر بلداً وتضم آلاف المحطات بعد شرائها الشبكات الإفريقية لشركتي شل (Shell) وإكسون موبيل (ExxonMobil) في سنوات 2000. نحو 11 مليون يورو كصافي نتيجة في 2022، قرابة 30 مليوناً في 2023 وأكثر من 34 مليوناً في 2024. لقد أثبتت “أفْرَقة” القطاع التحويلي جدواه المالية.
ومن المسارات الناجحة الأخرى : شركة إنجن (Engen) الجنوب إفريقية، التي تحولت إلى فاعل متعدد المناطق قبل اندماجها في فيفو إنرجي (Vivo Energy)، وكذلك شركة أواندو / أو في إتش إنرجي (Oando / OVH Energy) في غرب إفريقيا، التي أثبتت شبكتها في نيجيريا والمنطقة قيمتها الاستراتيجية وجذبت شركاء دوليين. وفي جميع هذه الحالات، كانت المفاتيح هي الجمع بين شبكة واسعة، وتحكم صارم في سلسلة الإمداد، والقدرة على قبول عوائد معتدلة لكن منتظمة.

الشراء بدل البناء: خيار إلزامي أمام نفطال؟

انطلاقاً من هذه التجارب السابقة، يبقى السؤال الجوهري: هل يمكن لنفطال أن تكتفي ببناء بضع محطات من الصفر، أم أن عليها اتباع نهج الفاعلين الأفارقة الآخرين عبر الاستحواذ على شبكة قائمة؟
تظهر التجارب أن الاستحواذ غالباً ما يكون الوسيلة الأسرع لبلوغ حجم حاسم مربح فوراً. فقد بنت أو إل آ إي إنرجي وإنجن وأفريقيا – OLA Energy وEngen وAfriquia- توسعها على شراء أصول تنازلت عنها الشركات الكبرى مثل توتال إنرجيز (TotalEnergies)، شل (Shell)، إكسون موبيل (ExxonMobil)، وبي بي (BP) وغيرها.
هذه التنازلات لا تعكس عدم ربحية هيكلية للقطاع التحويلي الإفريقي، بل تعكس إعادة توجيه استراتيجية من طرف المجموعات النفطية الدولية التي باتت تفضل التركيز على الاستكشاف والإنتاج، أو البتروكيمياء، أو الطاقات المتجددة، وتُعيد توزيع أصول تعتبرها غير كافية وفق معاييرها المالية. ومع ذلك، تبقى هذه الشبكات جذابة للفاعلين الإقليميين الأكثر استعداداً لقبول عوائد محدودة لكن متوقعة.

يبقى مجال هذا النوع من العمليات ضيقاً في موريتانيا. فالأصل الرئيسي المتاح سابقاً — شبكة توتال (Total) — أصبح اليوم مملوكاً لأفريقيا (Afriquia). أما المحطات المستقلة فهي متفرقة وضعيفة الهيكلة، ودمجها يتطلب وقتاً وإجراءات تنظيمية ثقيلة. كما أن استراتيجية النمو العضوي البطيء قد تجعل نفطال (Naftal) تواجه منافسة راسخة، مع خطر عدم الوصول إلى الحجم الضروري لتحقيق الربحية.

مزايا ومخاطر الرهان الموريتاني

تمتلك نفطال (Naftal) مع ذلك مزايا خاصة. فالجزائر أصبحت مصدراً صافياً للمواد المكررة، ما يجعل نفطال مورداً طبيعياً لغرب إفريقيا، ويمكن لموريتانيا أن تكون نقطة دخول لهذه المنطقة.
كما توفر مصفاة أدرار في جنوب غرب الجزائر ميزة جغرافية بارزة لتزويد شمال موريتانيا، بتكاليف قد تكون أقل من سلاسل الإمداد البحرية. ويبقى التحدي الرئيسي هو التطوير الفعلي للممر الطرقي تندوف – زويرات الذي سيربط البلدين مباشرة. يضاف إلى ذلك الدعم السياسي الثنائي القادر على تسهيل دخول السوق والحصول على تراخيص الاستثمار.
لكن المخاطر تبقى كبيرة. فالسوق الموريتانية ضيقة وشديدة التنظيم وتعتمد على قرارات الدولة في تحديد الأسعار. كما أن منافسة “أفريقيا” و”ستار أويل”الراسخة أصلاً، ستفرض ضغطاً دائماً على الهوامش. ومن دون شبكة مهمة أو عقود صناعية كبرى (المناجم، محطات الكهرباء، كبار المشغلين اللوجستيين)، قد تجد نفطال نفسها أسيرة أحجام غير كافية لتغطية استثماراتها.
في النهاية، يبدو دخول نفطال إلى موريتانيا رهاناً منطقياً على الصعيدين الصناعي والجيوسياسي، لكنه يظل مالياً حساساً. وسيعتمد النجاح أقل على الدعم السياسي وأكثر على قدرة الشركة على إعادة إنتاج سريع للوصفات المجربة في القطاع التحويلي الإفريقي: بناء حجم حاسم، ضبط صارم للوجستيات، وانضباط اقتصادي دقيق في سوق حيث الاستقرار يظل دائماً أهم من ربحية الهوامش.