تشهد ولاية تمنراست في أقصى جنوب الجزائر أزمة وقود حادة خلال الفترة الأخيرة، إذ تفيد تقارير محلية بوجود نقص كبير في البنزين والمازوت مما أدى إلى طوابير طويلة أمام محطات الوقود.
ويضطر السائقون أحيانًا لانتظار ساعات بل وأيام داخل سياراتهم تحت شمس الصحراء الحارقة على أمل الحصول على بضعة لترات من الوقود.
وتعتبر هذه الأزمة مؤكدة وفقًا لمصادر إعلامية موثوقة، بعد تداول معلومات عن شح الوقود في المنطقة، ولم يصدر أي نفي رسمي قاطع لها حتى الآن.
بل على العكس، اتخذت السلطات خطوات لإرسال إمدادات إضافية مما يعزز صحة هذه الأنباء عن وجود أزمة خانقة في تزويد الوقود بتمنراست.
التحديات اللوجستية وبُعد المسافة
تُعاني تمنراست من موقعها الجغرافي النائي عن مراكز الإنتاج والتكرير في شمال البلاد، حيث تفصلها مسافات شاسعة تزيد على 2000 كيلومتر عن مصادر الوقود الرئيسية.
هذا البُعد يجعل عملية نقل الوقود إليها صعبة وبطيئة، ما يعني أن أي تأخير في قوافل الشاحنات أو اضطراب في الطرق قد يؤدي سريعًا إلى نفاد المخزون في محطات التوزيع.
كما أن البنية التحتية المحدودة للمحروقات في الولاية – من حيث عدد محطات الوقود وسعة التخزين – تجعل الإمدادات عرضة للانقطاع المتكرر.
وقد وصفت وسائل إعلام محلية أزمة الوقود في تمنراست بأنها مشكلة مزمنة تعاني منها المنطقة منذ نحو عقد دون حل جذري ، مما يشير إلى أن تحديات الإمداد والنقل ما زالت تفوق قدرات الشبكة الحالية على تلبية الطلب المحلي.

على مدار السنوات الماضية، ازداد عدد السكان والمركبات في تمنراست بوتيرة أسرع من تطوير خدمات التزوّد بالوقود. الوتيرة التنموية غير المتوازنة بين الشمال والجنوب أدت إلى شعور بفجوة في الاهتمام والخدمات.
وفي ظل غياب خطوط أنابيب أو سكك حديدية لنقل الوقود إلى أقصى الجنوب، تعتمد الولاية بالكامل تقريبًا على شاحنات الصهاريج القادمة من الشمال.
أي عائق لوجستي – سواء سوء الأحوال الجوية أو أعطاب ميكانيكية أو تأخر إداري – يمكن أن يشلّ سلسلة التوريد سريعًا.
هكذا تجد تمنراست نفسها رهينة لبُعدها الجغرافي؛ فكلما طالت سلسلة الإمداد زادت هشاشتها أمام أي اختلال طارئ.
التهريب عبر الحدود
إلى جانب العوامل اللوجستية، يفاقم التهريب عبر الحدود أزمة الوقود في تمنراست بشكل كبير.
تقع الولاية على تخوم دولتي مالي والنيجر، حيث أسعار الوقود مرتفعة وإمداداته محدودة مقارنة بالجزائر التي يدعم وقودها حكوميًا.
هذا الفارق خلق سوقًا سوداء مزدهرة تدفع مهربي الوقود لتهريب كميات كبيرة من البنزين والمازوت من تمنراست نحو الدول المجاورة طلبًا للربح السريع.
ووفق تقارير ميدانية، تستغل شبكات تهريب منظمة هذا الوضع لتحويل جزء ملموس من إمدادات الوقود إلى السوق الموازية عبر الحدود ، مما يحرم السكان المحليين من حصتهم ويزيد من حدة الندرة في المحطات الشرعية.
الأرقام المتاحة تعكس حجم المشكلة؛ ففي عمليات أمنية سابقة أحبطت السلطات محاولات لتهريب عشرات الآلاف من اللترات إلى خارج الحدود.
على سبيل المثال، تمكنت قوات الدرك في إحدى المداهمات من ضبط شحنة تُقدر بحوالي 141 ألف لتر من الوقود كانت موجهة للتهريب نحو مالي.
شبكات التهريب هذه تستفيد من شساعة الحدود الصحراوية وضعف الرقابة على امتدادها، مما يجعل مهمة كبح تسرب الوقود مهمة شاقة.
ويؤكد خبراء أن استمرار التهريب بهذا النطاق يُفرغ أي جهود لتزويد تمنراست بالوقود من مضمونها، إذ سرعان ما تجد الإمدادات الاستثنائية طريقها إلى خارج خزانات الولاية بدلًا من ملء سيارات سكانها.
حلول رسمية مؤقتة واستراتيجية غائبة
أمام تصاعد الغضب الشعبي وشلل الحياة اليومية في تمنراست جراء نقص الوقود، اضطرت السلطات إلى تحرّك إسعافي عاجل.
فقد أعلنت شركة نفطال (الشركة الوطنية لتوزيع الوقود) عن إطلاق عملية دعم استثنائية لتزويد محطات تمنراست بالوقود، تمثلت في تسيير قافلة من 200 شاحنة صهريج من شمال البلاد نحو الولاية الجنوبية في شهر يونيو الماضي.
ووفق بيان نفطال، فإن هذه القافلة غير المسبوقة جاءت لـ“احتواء الأزمة وطمأنة السكان”، مؤكدة جاهزية الشركة للتعامل مع الطوارئ وحرصها على تلبية حاجيات المواطنين الاقتصادية حتى في المناطق النائية.
وقد أدى ضخ هذه الكميات الإضافية إلى انفراج مؤقت، حيث تحسنت وفرة الوقود لبضعة أيام وبدت الأزمة في طريقها إلى الانحسار.
مع ذلك، سرعان ما اتضح أن هذه المعالجات كانت حلولًا مؤقتة لا غير. فما إن غادرت صهاريج الدعم الولاية حتى عادت الطوابير الطويلة للظهور وعادت المحطات للجفاف من جديد.
ونقل أحد سكان تمنراست صورة معبرة بقوله إن الأزمة اختفت تمامًا خلال زيارة أحد الوزراء للولاية في أواخر جويلية “وكأن كل شيء قد حُلَّ”، لكن ما إن غادر المسؤول حتى انهار الوضع وعادت الأمور إلى سابق عهدها .
هذا الواقع كرّس شعورًا لدى الأهالي بأن المعالجات كانت شكلية، وأن غياب خطة طوارئ محكمة وآليات رقابة صارمة على التوزيع أبقى الأزمة بلا حل فعلي.
كما أدت هذه الانتكاسة السريعة إلى تصاعد الاحتقان بين المواطنين الذين سئموا الوعود، ووقعت مناوشات في طوابير الانتظار رغم تعزيز تواجد قوات الأمن في المحطات لتهدئة الأوضاع.
أمام مشهد الأزمة المتكررة، ارتفعت أصوات محلية تطالب بوضع استراتيجية دائمة لمنطقة الجنوب بدل الاكتفاء بالحلول الترقيعية المؤقتة.
وقد صرّح مسؤولون محليون ونواب بأن ولايات الجنوب تحتاج إلى خطة وطنية تضمن المساواة في الحصول على الطاقة وتضبط توزيع الوقود بشكل شفاف، إلى جانب تحسين وسائل النقل والتخزين في هذه المناطق النائية.
ويؤكد هؤلاء أن أزمة تمنراست كشفت عن خلل عميق في التوازن التنموي بين الشمال والجنوب، حيث يشعر السكان بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في اهتمام السلطات.
ومع استمرار اعتماد الوقود كمادة حيوية للحياة اليومية – من تشغيل المركبات والمولدات الكهربائية إلى نقل البضائع والمرضى – يغدو إيجاد حل جذري مسألة ملحّة لضمان عدم تحول هذه الأزمة إلى وضع دائم يقوّض مقومات العيش في الجنوب.
معاناة مشابهة في ولايات حدودية أخرى
ليست تمنراست الوحيدة التي تواجه تحديات في توفر الوقود؛ إذ تعاني ولايات حدودية جنوبية مجاورة وضعًا مشابهًا بفعل نفس العوامل.
فعلى سبيل المثال، تكابد ولاية برج باجي مختار (على الحدود مع مالي) وولاية إن قزام (المتاخمة للنيجر) صعوبات مستمرة في إمدادات البنزين والمازوت.
وتشير تقارير متواترة إلى أن شبكات التهريب تمتد نشاطاتها إلى هذه المناطق أيضًا، مستفيدة من قربها من دول الساحل الأفريقي حيث يُعاد بيع الوقود الجزائري بأسعار مرتفعة .
كما أن بُعد هذه الولايات عن مراكز التوزيع يجعلها أكثر تعرضًا لنفس مشكلات تأخر القوافل وانقطاع الطرق، مما يضع سكانها في مواجهة ظروف مماثلة من الانتظار والبحث المضني عن الوقود.
في مناطق حدودية أخرى شمالًا، ظهرت مشاهد شبيهة ولكن لأسباب مختلفة بعض الشيء، مثل ولايات شرق الجزائر المتاخمة لتونس التي عانت سابقًا من شح الوقود نتيجة تهريبه عبر الحدود الشرقية.
هذه الحالات جميعها تؤكد أن ظاهرة نقص الوقود في المناطق الحدودية ليست معزولة، بل ترتبط ببنية توزيع مركزية تضع الأطراف في موقع أضعف، سواء بسبب الاستغلال غير القانوني (التهريب) أو قصور التخطيط والإمداد.
وبالنسبة لسكان ولايات صحراوية نائية كتبركات (تمنراست) وباقي جيرانها الحدودييين، يبقى الأمل معقودًا على تحرك تنموي شامل يضع حلاً مستدامًا يضمن حقهم في التزود بالطاقة على قدم المساواة مع باقي مناطق البلاد، تفاديًا لتكرار أزمات خانقة مستقبلاً.
ان أزمة الوقود في تمنراست حقيقة مثبتة بتقارير وشهادات رسمية وإعلامية، وهي نتيجة تداخل عوامل لوجستية وجغرافية وأمنية.
ورغم تدخل السلطات بإجراءات إسعافية لتخفيفها، ما زالت الأزمة تسلط الضوء على حاجة ملحة لحلول بعيدة المدى تعالج جذور المشكلة، ليس فقط في تمنراست بل في كل الولايات الحدودية التي تتقاسم معها نفس المعاناة.
المصادر الرسمية والتقارير الموثوقة تشير بوضوح إلى أن توفير الوقود بشكل منتظم في عمق الجنوب الجزائري لن يتحقق إلا عبر خطة وطنية شاملة، تكبح التهريب وتحسّن البنية التحتية للإمداد، لضمان إنهاء مشاهد الطوابير والمعاناة اليومية للمواطنين .