B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

أوروبا و”الاستبدال الكبير” بنسخة “رجل السلام” ترامب

أسامة نجيب 6 ديسمبر 2025
رفع جياني إنفانتينو سقف الإطراء إلى أعلى مستوى تجاه دونالد ترامب.

قام جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، يوم الجمعة 5 ديسمبر في واشنطن العاصمة، بمنح “جائزة السلام” لدونالد ترامب. تكمن المفارقة في أن هذا الإطراء المفرط من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جاء في نفس اليوم الذي أصدرت فيه إدارة “رجل السلام” هذا وثيقة بعنوان “استراتيجية الدفاع الوطني – NSS 2025 -“، تصف عالماً أبيض مهدداً بغزو غير البيض، وخاصة من أفريقيا. وهي وثيقة رسمية تحدد أولويات الأمن والسياسة الخارجية للولايات المتحدة للسنوات المقبلة.
لا يقتصر نص الـNSS الأمريكي على مقاربة جيوسياسية بسيطة، بل يقوم على قراءة حضارية وهوياتية للأمن. وهكذا، مستعيداً خطاب “الاستبدال الكبير” العنصري، يصف الوثيقة أوروبا بأنها “حضارة” مهددة بالهجرة والتغيرات الديموغرافية، ويتحدث عن “محو حضاري” لأوروبا وحتى عن احتمال ظهور أغلبية “غير أوروبية” في بعض الدول.
ويشير النص إلى أن الولايات المتحدة تريد دعم حلفائها «للحفاظ على حرية وأمن أوروبا، مع استعادة الثقة الحضارية لأوروبا والهوية الغربية». وهي عبارة تكشف بوضوح البعد الهوياتي للنص، الذي يتجاوز الدفاع العسكري ليتبنى خطاباً حول حماية “الهوية الغربية”.
ورغم أن الصيغ المستخدمة فضفاضة وملتبسة عمداً، فإنها تستعيد بشكل صريح خطاب اليمين المتطرف الأوروبي، الذي يرى في المهاجرين والتنوع تهديدات وجودية. كما يؤكد النص أن «عصر الهجرة الجماعية قد انتهى — إن اختيار من تسمح الدولة بدخوله إلى أراضيها… سيحدد حتماً مستقبل تلك الأمة»، ما يوضح كيف تُبنى الهجرة هنا كعامل تهديد حضاري.
ولا يكتفي النص بالتحذير، بل يدعو إلى «زرع المقاومة» في أوروبا، وهو ما يُفهم بوضوح كتشجيع للأحزاب اليمينية المتشددة وصولاً إلى اليمين المتطرف. صحيفة الغارديان رأت فيه «دعماً صريحاً للأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية» ووثيقة «تبدو وكأنها تتبنى نظرية المؤامرة العنصرية للاستبدال الكبير» (الغارديان، 2025).
المسؤولون الأوروبيون، الحريصون على عدم إغضاب “رجل السلام” ترامب، امتنعوا عن التعليق، فيما تولى الرد مسؤولون سابقون. رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلدت، شخصية مؤثرة في الدبلوماسية الشمالية ووزير الخارجية السابق ومناصر للبناء الأوروبي، المعروف بمواقفه الوسطية والأطلسية، بعيداً عن أن يكون “يسارياً خطيراً”، لم يتردد في القول: «هذا خطاب لا نجده عادة إلا في عقول غريبة في الكرملين»، كما كتب على منصة X، واصفاً الوثيقة بأنها “أكثر يمينية من أقصى اليمين في أوروبا”. أن تأتي هذه الانتقادات من شخصية محافظة يعزز من خطورة التحذير.
تأطير عرقي ونيو-استعماري
تقدّم الوثيقة بشكل ضمني إفريقيا وشتاتها بوصفهما مصدر تهديد. فالإشارة المتكررة إلى شعوب «غير أوروبية» تساهم في تأطير عرقي ونيو-استعماري جديد: إذ تُعامل الهجرة كخطر حضاري، لا كحركة بشرية واقتصادية-اجتماعية معقدة. وهي قراءة جوهرانية تحوّل الحقائق الاجتماعية إلى مخاطر استراتيجية، وقد تؤثر في كيفية إدراك صانعي القرار الأوروبيين لقضايا التنوع والاندماج.
وبهذا، تعيد NSS 2025 تعريف العلاقات عبر الأطلسي: لم تعد التحالفات قائمة فقط على قيم مشتركة — الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعددية — بل على معايير إثنية-ثقافية ضمنية. وهكذا يطبع النص الخطابات الهوياتية وكراهية الأجانب، ويمنح إطاراً شرعياً دولياً للأحزاب الشعبوية الأوروب