أثارت عملية الإفراج عن بوعلام صنصال موجة واسعة من ردود الأفعال، كشفت عن الانقسامات العميقة التي تعصف بالمجتمع والسياسة في البلاد. يحاول محللو القنوات التلفزيونية كالعادة تقديم هذا العفو الرئاسي، كإنجاز جديد حققه الرئيس تبون، بينما يحاول أنصار المؤرخ محمد لمين بلغيث المحكوم عليه بالسجن لخمس سنوات، لاستغلال هذه الفرصة لإعادة طرح قضيته من زاوية إنسانية. في حين تحررت عدة أصوات كانت متحفظة لحد الساعة، للمطالبة بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، ما دام الوقائع التي سجن بسببها بوعلام صنصال أدانها كل الجزائريين باختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية.
العفو الانتقائي
عادل صياد، صحفي من الإذاعة الوطنية، وكاتب معروف بأسلوبه الساخط عن الوضع العام في الجزائر، لكنه لم يتعود على الخوض في النقاش السياسي بأسلوب مباشر، كالأسلوب الذي اعتمده للتعليق على إطلاق سراح بوعلام صنصال. “لسنا ضدّ العفو، بل ضدّ أن يتحول إلى امتياز يُمنح بانتقائية، أو إلى ورقة في لعبة توازنات دبلوماسية لا علاقة لها بالعدالة” كتب عادل صياد في منشور مفصل، عن الموضوع.
ويضيف الكاتب الصحفي “المبدأ واضح وبسيط. فإذا كان إطلاق سراح كاتب مسنّ ومريض ممكنا، استجابة لطلب خارجيّ، فمن باب أولى أن يُطلق سراح كلّ الجزائريين الذين زُجّ بهم في السجون فقط لأنهم عبّروا عن آرائهم أو دافعوا عن حلم وطن يليق بهم”.
ماذا تخفي الدعوات السياسية للحوار والمصالحة
وثمة تعليقات توحي بوجود تحول ما يدفع نحو تسوية هذا الملف الذي أساء كثيرا للجزائر كدولة لا تحترم الحقوق والحريات المعترف بها دستورياً وكشعب خرج بالملايين للمطالبة بالتغيير الديمقراطي، ثم انصرف لشأنه تاركا مئات المعتقلين وآلاف المتابعين قضائياً يواجهون آلة القمع معزولين.
رئيس حركة البناء، عبد القادر بن قرينة، كان أول من فتح هذا الباب، من خلال دعوته للم الشمل، وإطلاق سراح معتقلي الرأي. وإن كانت خطوة بن قرينة مثيرة للشكوك، كون الرجل انتقى صور الوجوه التي دعا لإطلاق سراحها، لكن معروف عن الرجل أنه لا يتحرك دون إيعاز.
وما يدعم هذا الطرح، أن منذر بوذن، الوجه الجديد الذي يقود الحزب المولود حاكما (الأرندي)، أطلق بدوره دعوات في اتجاه طي ملف معتقلي الرأي. “نتوقع انطلاق الحوار الوطني خلال الثلاثي الأول لسنة 2026، بما يفتح آفاقًا جديدة لتعزيز التوافق الوطني ولملمة كل الجهود” يقول منذر بوذن من بني عباس، أين نشط تجمعاً شعبياً اليوم.
وأضاف “نجدد ثقتنا الكاملة في حكمة وسياسة رئيس الجمهورية من أجل العفو عن الحالات الإنسانية واحتواء كل أبناء الوطن. نعيش اليوم مرحلة تغلب فيها لغة الحكمة، وتُفتح فيها أبواب الأمل أمام كل من أخطأ في لحظة انفعال وتجاوز حدود القانون، بما يعزز اللحمة الوطنية وروح المصالحة…”.
في المقابل، يذكر حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية أنه كان من الأحزاب القليلة التي نددت بسجن بوعلام صنصال، ماجعل أمانته الوطنية تهنئ، في البيان الصادر عن إجتماعها اليوم، على إطلاق سراحه. لكن “هذا الحل، في حين لا يزال مواطنون آخرون محتجزين لنفس الوقائع، يسلط الضوء على عدالة تكيل بمكيالين” يقول البيان، مضيفا ” إنه يكشف عن نظام قضائي خاضع للسلطة التنفيذية، حيث تُفرض القرارات بناء على اعتبارات سياسية أكثر منها على القانون”. وعليه جدد الأرسيجدجي مطلبه ب”إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، وفتح المجال السياسي والإعلامي، وإلغاء القوانين التي تقيد الحريات وتقمع الحياة العامة والنشاط الجمعوي”…
هل الجزائري بحاجة لجنسية ثانية ليستعيد حريته
من جهة أخرى تحركت هيئة الدفاع عن رئيس شبيبة القبائل السابق، شريف ملال، للمطالبة ببرمجة النظر في الطعن الذي أودعه موكلها في الحكم الصادر في حقه والقاضي بسجنه لأربع سنوات نافذة. من بين ما جاء في بيان أخير لهيئة الدفاع عن شريف ملال “بينما يستفيد بعض الأشخاص من قرارات سريعة ومفيدة لأسباب تتعلق بوضعهم الشخصي أو جنسيتهم، يبقى الطعن في النقض الخاص بشريف ملال قيد الانتظار، دون أي مبرر مما يطيل فترة الانتظار التي أصبحت لا تطاق” في إشارة واضحة لاستفادة الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال من عفو استثنائي. الأمر الذي جعل الرئيس السابق للأرسيدي، محسن بلعباس يتساءل “هل نحن ملزمون بالبحث عن جنسية ثانية حتى نأمل في مغادرة السجن؟”.
محمد تجاديت يختار الاضراب عن الطعام
معتقل الرأي، الشاعر محمد تجاديت، اختار طريقة أخرى، للتعبير عن عدم قبوله بالوضع المفروض عليه. الشاب البالغ من العمر 31 سنة، وبرز صوته بقوة في مسيرات الحراك الشعبي، قرر الدخول في إضراب مفتوح، حسبما نقله عنه المحامي نور الدين أحمين في منشور على فيسبوك. ويأتي قراره بعد أيام قليلة من إدانته في قضية أخرى بالسجن لخمس سنوات. حكما صدم الرأي العام الوطني كونه تزامن مع الإفراج عن بوعلام صنصال، علماً أن أشعار تجاديت كلها مستوحاة من بطولات شهداء الثورة التحريرية ولم تشكك أبداً في انتماء أي شبر من التراب الوطني للجزائر.
حتى المؤثر صاحب الأعداد الكبيرة من المتابعين على يوتيوب، سعيد سديرة، دافع هذه المرة على محمد تجاديت، ونقل في صفحته على فيسبوك أخباراً تفيد بتواجد رئيس الكونفدرالية العامة للباترونة سعيدة نغزة في المستشفى، مطالباً بإطلاق سراحها وإطلاق سراح “جميع المساجين المسنين والعجزة وضحايا تصفية الحسابات…”
تناقضات السياسة الأمنية والقضائية
أما الأستاذ رابح لونيسي، فشكك في مقال مطول، على غير عادته، في مصداقية الخطوة التي أقدم عليها تبون، بإطلاق سراح “من أجمع الجزائريون على خيانته للوطن” على حد تعبيره. وكتب رابح لونيسي ” … الخطأ ليس في إطلاق سراحه لأنه ممكن أن يموت في السجن في الجزائر، ويتحول إلى قضية خطيرة يمكن أن تمس بسمعة الجزائر، وإنما الخطأ هو إطلاق سراحه بعد طلب من دولة أخرى في الوقت الذي كان يمكن للسلطة اتخاذ القرار بكل استقلالية دون أي تدخل كان ثم إقناع الشعب الجزائري بذلك” ويضيف ” أصلاً كان بإمكان الجزائر القضاء على قضية صنصال في مهدها قبل أن تتضخم، لكنها فشلت في ذلك…”