تم العثور على ما لا يقل عن تسعة رؤوس خنازير يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 أمام عدة مساجد في منطقة إيل-دو-فرانس، منها أربعة في باريس وخمسة في الضواحي القريبة. وقد كُتب على أحدها اسم "ماكرون" باللون الأزرق. أعلن محافظ شرطة باريس، لوران نونييز، فتح تحقيق بتهمة "التحريض على الكراهية المشددة". وتأتي هذه الأعمال الإسلاموفوبية في سياق سياسي مضطرب، غداة سقوط حكومة فرانسوا بايرو.
كراهية أصبحت مألوفة
ردّت الجالية المسلمة بجدية وقلق. فقد وصف عميد جامع باريس الكبير، شمس الدين حافظ، هذه الأفعال بأنها "مرحلة جديدة ومحزنة في تصاعد الكراهية ضد المسلمين". أما جمعية الدفاع عن ضحايا التمييز والأعمال المعادية للمسلمين (ADDAM)، التي تأسست في فبراير 2024 في إطار منتدى الإسلام في فرنسا (Forif)، فقد أعربت عن أسفها قائلة: "لقد دقّنا ناقوس الخطر منذ أشهر، ولم يُصغِ إلينا أحد". كما حمّلت منظمة "SOS Racisme" الخطاب العام المليء بالوصم مسؤولية "شرعنة الأفعال العدائية".
عبّر الرئيس إيمانويل ماكرون عن تضامنه مع الجالية المسلمة في رسالة وجّهها إلى عميد جامع باريس الكبير، الذي يُعدّ القناة الأساسية للحوار بين باريس والجزائر. وعلى الرغم من أن عدداً من المسؤولين السياسيين، مثل عمدة باريس آن هيدالغو، أدانوا هذه الأفعال، إلا أن إدانتهم بدت مترددة، بل غير صادقة، إن لم تكن منافقة.
آلية الإنكار والانهيار السياسي
تأتي هذه الإدانات في وقت يُتهم فيه بعض المسؤولين السياسيين أنفسهم بتغذية الإسلاموفوبيا، بل إنهم ينكرون وجودها أحياناً. وزير الداخلية برونو روتايو، رغم إدانته للأفعال، صرّح مؤخراً "يسقط الحجاب"، ووصفالمناضلة ريما حسان بأنها "مافيا حماس". تصريحات كهذه، بحسب زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان-لوك ميلانشون، "تؤجّج التوترات". وقد وصف ميلانشون الإسلاموفوبيا في فرنسا بأنها "منفلتة"، تغذيها أجواء سياسية وإعلامية مشحونة.
تُتهم قناة "CNews" بشكل متكرر بمعالجة موضوع الإسلام بطريقة مثيرة للقلق ومليئة بالوصم. إذ يكثر بعض المعلقين فيها من الخلط بين الإسلام والهجرة والجريمة، مما يساهم في ترسيخ فكرة أن الإسلام لا يتماشى مع القيم الفرنسية. هذا الخطاب يجعل من الكراهية أمراً "مفهوماً" لدى شريحة من المجتمع.
الإسلاموفوبيا: إرث من الذاكرة الاستعمارية
بعيداً عن السياق الراهن، فإن هذه الأفعال تنتمي إلى تاريخ طويل. فالإسلاموفوبيا المعاصرة في فرنسا غالباً ما تحمل بعداً معادياً للجزائر، مستمدّاً من الماضي الاستعماري. رفض الإسلام يترافق مع عداء تجاه السكان من أصل مغاربي، الذين يُنظر إليهم على أنهم ورثة إمبراطورية مفقودة كانت الجزائر جوهرتها. الحجاب، واللغة العربية، والأسماء الإسلامية أصبحت علامات على "الآخر".
لا يزال هذه الحنين إلى الإمبراطورية الضائعة يظهر في الخطاب السياسي والعام. فرأس الخنزير الموضوع أمام المسجد ليس مجرد إهانة دينية، بل هو فعل رمزي للهيمنة، يذكّر بماضٍ كان فيه الإسلام والمسلمون خاضعين.
وفقاً لأرقام وزارة الداخلية، ارتفعت الأعمال المعادية للمسلمين بنسبة 75٪ بين يناير ومايو 2025، مع تضاعف عدد الاعتداءات على الأشخاص ثلاث مرات. وتُعدّ فرنسا موطناً لما بين خمسة وستة ملايين مسلم، مما يجعل الإسلام ثاني ديانة في البلاد. لقد مهّدت الوصمة المستمرة الطريق لكراهية لم تعد تخجل من الظهور.