أعلنت شركة أبوظبي الوطنية للطاقة “طاقة” رسميًا خروجها من دائرة المنافسة للاستحواذ على حصة في شركة “ناتورجي” الإسبانية، بعد أشهر من تكهنات السوق.
في اتصال مع مستثمرين ماليين، أكد المدير المالي للشركة، ستيف ريدلينغتون، أن الصفقة “ليست ضمن أولويات طاقة في الوقت الراهن”، مشيرًا إلى أن المحادثات السابقة باءت بالفشل ولا نية للعودة إليها.
تأتي هذه التصريحات لتضع حدًا لتكهنات حول عودة محتملة لـ”طاقة” إلى طاولة مفاوضات الاستحواذ على الحصص المملوكة لكل من CVC وBlackRock في “ناتورجي”، وسط تقارير عن تعقيدات سياسية وسعرية، أبرزها التوتر في العلاقات بين أبوظبي والجزائر، الدولة التي ترتبط بعلاقات استراتيجية في قطاع الغاز مع “ناتورجي”.
ورغم تراجع الشركة عن الصفقة، إلا أن استراتيجيتها التوسعية في السوق الإسبانية لم تتوقف.
فـ”طاقة”، عبر ذراعها الاستثمارية “مصدر”، تُعيد تموضعها في مجالات أخرى ، حيث كثفت من استثماراتها في الطاقة المتجددة، واستحوذت مؤخرًا على أصول شمسية تابعة لشركة “إنديسا”، إلى جانب خوضها مفاوضات متقدمة للاستحواذ على الشركة “GS Inima” المتخصصة في تحلية المياه.
وتطمح الشركة الإماراتية إلى بلوغ قدرة إنتاجية عالمية تصل إلى 150 جيغاواط من الطاقة بحلول 2030، مع تركيز على الأسواق الأوروبية والأمريكية، ما يعكس تحوّلًا استراتيجيًا نحو الطاقة النظيفة، بعيدًا عن الغاز التقليدي.
توتر جيوسياسي يعيد رسم خارطة الطاقة
وفي خلفية هذه التحولات، أبدت الجزائر انزعاجًا من ما وصفته بـ”محاولات توغل إماراتي” في قطاعات استراتيجية أوروبية.
ووفق مصادر إعلامية جزائرية، فإن الحساسيات الجيوسياسية، لا سيما في ظل علاقات متوترة بين الجزائر وأبوظبي، ساهمت في تعقيد المشهد، دون تدخل رسمي مباشر من الجزائر لعرقلة الصفقة.
من جانبها، تحافظ الجزائر على شراكة طويلة الأمد مع “ناتورجي”، حيث تزود إسبانيا سنويًا بنحو 5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “ميدغاز”، في اتفاقيات تمتد حتى 2030.
وتمتلك شركة “سوناطراك” الجزائرية 4.1% من أسهم “ناتورجي”، ما يمنحها موطئ قدم داخل هيكل القرار الاستثماري بالشركة الإسبانية.
وفي ظل احتدام المنافسة على أمن الطاقة في أوروبا، واستمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، استعادت الجزائر مكانتها كمورد رئيسي للغاز لإسبانيا، مسجلة 34.9% من وارداتها في فبراير 2025، لتنافس عن قرب الولايات المتحدة.
إعادة تموضع مدروس في بيئة استثمارية معقدة
انسحاب “طاقة” من صفقة “ناتورجي” لا يُعد تراجعًا بقدر ما يعكس قراءة استراتيجية لتوازنات السوق السياسية والاقتصادية.
وبينما تواصل الجزائر ترسيخ شراكتها الغازية مع مدريد، تتجه “طاقة” بثبات نحو آفاق واعدة في قطاعات الطاقة المتجددة، في مشهد يعكس ديناميكية جديدة في جغرافيا الاستثمار الطاقوي.