يُلمّح الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي إلى احتمال أن تُقدم الجزائر على إلغاء اتفاقية عام 1968 من جانب واحد، إذا ما أكدت فرنسا نيتها إعادة التفاوض حولها. تصريحٌ يبدو، رغم طابعه الشخصي، كأنه يُمهّد لموقف دبلوماسي جديد قيد التشكل في الجزائر.
«وماذا لو بادرت الجزائر بإلغاء اتفاقية عام 1968؟» بهذا التساؤل، الذي لا يبدو مجرد فرضية نظرية، افتتح عبد العزيز رحابي مقاله الذي نشره يوم الخميس على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي. وجاء ذلك ردًّا على إعلان رئيس الوزراء الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، رغبته في «إعادة التفاوض على الاتفاقية في أقرب وقت ممكن»، معتبراً إياها «غير صالحة في كثير من الجوانب».
إلغاء من طرف واحد
يرى رحابي أن تصريح لوكورنو، وفقاً للأعراف المتبعة بين الدول، يُعد بمثابة إلغاء أحادي الجانب من طرف فرنسا للاتفاقية. ويضيف أن «الحكومة الجزائرية لم تتلق بعد أي طلب رسمي، لكنها مستعدة لهذا الاحتمال القريب». ويُطرح السؤال هنا: هل يُعبّر رحابي عن رأي شخصي أم عن توجّهٍ دبلوماسيٍّ قيد التبلور لدى الدولة الجزائرية؟ أسلوب مقاله، المتّسم بالهدوء والاتزان، يوحي بأنه رسالة غير رسمية تعكس ملامح الموقف الرسمي من دون أن تنطق به صراحة.
اتفاقية فقدت مضمونه
وُقّعت الاتفاقية عام 1968 لتنظيم شروط تنقّل وإقامة وعمل الجزائريين في فرنسا، في سياق ما بعد الاستقلال، بهدف الحفاظ على روابط خاصة بين البلدين. لكنها خضعت لعدة تعديلات، في أعوام 1985 و1994 و2001، أفقدتها معظم امتيازاتها السابقة. واليوم، يُعامل الجزائريون في فرنسا مثل باقي الأجانب، إذ يخضعون لنظام التأشيرات والإجراءات الإدارية ذاتها. وبالتالي، بات النظام الخاص بالاتفاقية رمزياً أكثر منه فعّالاً. ويُوضح رحابي أن الجزائر لن تمانع إعادة التفاوض «إذا تم ذلك في الإطار التعاقدي»، مؤكداً أن «الاتفاقية لم تعد تمنح الجزائريين سوى مزايا محدودة، وأن القانون العام أكثر انسجاماً مع مصالحهم في مجالات التنقّل والعمل والإقامة».
توظيف سياسي وانتخابي
في فرنسا، تحوّلت الاتفاقية إلى موضوع انتخابي مفضل لليمين واليمين المتطرف، يُستعمل لاستقطاب الأصوات في كل موسم انتخابي. وقد تجلى ذلك في القرار الذي صادق عليه مؤخراً البرلمان الفرنسي بمبادرة من حزب التجمع الوطني، الوريث السياسي لمنظمة الجيش السري (OAS). يقول رحابي إن «استغلال اليمين الفرنسي للاتفاقية جعل من وضع الجالية الجزائرية محور النقاش السياسي الداخلي، وساهم في تغذية مشاعر الكراهية تجاه الجزائريين، عبر تصويرهم كمسؤولين مباشرين عن أزمة الهجرة وما تبعها من بطالة وانعدام أمن».
ويضيف: «إذا لم تلغِ فرنسا الاتفاقية، فإن الجزائر ستفعل ذلك. وعندها سيضطر أولئك الذين جعلوا من الجزائر عدواً مفيداً إلى البحث عن ريعٍ ذاكراتي جديد قبل عام 2027».
موقف دبلوماسي جديد
مقال رحابي لا يحمل طابعاً رسمياً، لكنه يرسم ملامح نهجٍ دبلوماسيٍّ جديد أكثر استقلالية، وأقلّ تفاعلاً، وأشدّ تمسكاً بمبدأ الندية في العلاقة مع باريس. ويُذكّر رحابي بسابقة عام 1979، حين قررت حكومة فاليري جيسكار ديستان ترحيل عشرات الآلاف من الجزائريين سنوياً. آنذاك، تعاملت الجزائر مع القرار بكرامة، ولم تطالب سوى باحترام مواطنيها، قبل أن تُلغى تلك التدابير بعد هزيمة جيسكار ديستان في انتخابات 1981. ويختم رحابي بالإشارة إلى أن الجزائر اليوم مستعدة لتكرار ذلك الموقف من موقعٍ أكثر قوة وسيادة، في حال استمرت باريس في تعاطيها الأحادي مع الملفات الثنائية.