قام المجلس النقدي والمصرفي بخفض سعر الفائدة الرئيسي من 3% إلى 2,75% في نهاية أغسطس، في خطوة هي الأولى منذ عدة سنوات. فهل ستعكس البنوك هذا الخفض؟ خبير، وهو إطار سابق في البنك المركزي، يوضح رهانات هذه الآلية في انتقال السياسة النقدية.
"يمنح قانون النقد والقرض البنوك استقلالية تجارية، فهي حرة في أن تعكس أو لا تعكس سعر الفائدة الرئيسي لبنك الجزائر، والذي يظل مجرد مؤشر للسوق. إن المنافسة هي من يجب أن تلعب دورًا في تحديد سعر الفائدة على الديون أو القروض، بناءً على هذه الإشارة".
هذا ما أوضحه خبير ومسؤول سابق في البنك المركزي لموقع "مغرب إيمرجانت"، في تعليقه على الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي لتخفيف القيود النقدية. ومع ذلك، أوضح الخبير أن توجيهًا داخليًا من الدولة، بصفتها المساهم الرئيسي في البنوك الكبرى، قد يدفع في الأيام المقبلة نحو خفض أسعار الفائدة لتتماشى مع انخفاض السعر الرئيسي. وأضاف: "إذا كان من المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة للعملاء، فإن احتمال حدوث ذلك عبر توجيه من الدولة أكبر منه عبر المنافسة".
إجراءان رئيسيان للتيسير النقدي
في 28 أغسطس الماضي، قرر المجلس النقدي والمصرفي خفض سعر الفائدة الرئيسي لبنك الجزائر من 3% إلى 2.75%. يهدف هذا الإجراء، وهو الأول من نوعه منذ سنوات، إلى خفض تكلفة إعادة تمويل البنوك وإرسال إشارة لدعم الائتمان. قبل ذلك بأسابيع، كان البنك قد خفض أيضًا نسبة الاحتياطي الإلزامي من 3% إلى 2%، مما أتاح نحو 25 مليار دينار من السيولة الإضافية للنظام المصرفي. يُشكل هذان القراران تحولًا في السياسة النقدية، بهدف تحفيز الاستثمار وتسهيل تمويل الاقتصاد.
خلفية اقتصادية مواتية
أصبحت هذه التدابير ممكنة بفضل الانخفاض الحاد في معدل التضخم. فقد انخفض مؤشر أسعار المستهلك، الذي تجاوز 6% في عام 2024، إلى 3.1% على أساس سنوي، بينما تراجع التضخم الأساسي إلى 2.6%، وفقًا للديوان الوطني للإحصاء. في هذا السياق الأكثر ملاءمة، اعتبر بنك الجزائر أن تخفيف سياسته النقدية لا يشكل خطرًا على الاستقرار المالي. لا تزال وتيرة النمو الاقتصادي قوية، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2% في عام 2024، ثم بنسبة 4.5% في الربع الأول من عام 2025. أما خارج قطاع المحروقات، فقد بلغ النمو 5.7%.
ومع ذلك، لا تعتمد هذه الديناميكية بشكل كافٍ على الاستثمار الخاص، فالقروض الموجهة للاقتصاد لا تزال تذهب بشكل أساسي إلى القطاع العام، بينما تواجه العديد من الشركات الخاصة صعوبة في الحصول على التمويل البنكي.
منافسة غير متكافئة وهوامش ربح مريحة
على الرغم من قرار بنك الجزائر بخفض سعر الفائدة، فإن مسألة انتقال هذا القرار إلى العملاء لا تزال قائمة. من الناحية النظرية، يجب أن يؤدي خفض تكلفة إعادة التمويل إلى تحفيز البنوك على تقديم قروض أرخص. ولكن عمليًا، فإن هيمنة البنوك العامة على السوق تحد بشكل كبير من المنافسة. تتمتع هذه المؤسسات، التي تستحوذ على معظم الودائع والقروض، بوضع مريح يسمح لها بالحفاظ على هوامش ربح عالية. ويوضح الفارق بين سعر الفائدة الرئيسي الذي حدده بنك الجزائر (2.75%) ومتوسط أسعار الفائدة المطبقة في السوق هذه الحالة. ففي النصف الأول من عام 2025، بلغ متوسط سعر القروض الاستهلاكية 9.6%، والسحب على المكشوف 7.8%، وتمويل الإسكان 6.7%. وهذا يعني وجود هوامش تتراوح بين 4 إلى 7 نقاط تفصل بين تكلفة الموارد والشروط الفعلية المطبقة على العملاء.
على سبيل المثال، يقدم البنك الوطني الجزائري (BNA) قروضًا عقارية بنسبة تقارب 6% للمدخرين، بينما تتجاوز قروضه الاستهلاكية 8%. أما البنك الشعبي الجزائري (CPA) فيطبق معدلات مماثلة، مع جداول تبقى أعلى بكثير من السعر الرئيسي، باستثناء المنتجات المدعومة من الدولة مثل قروض الإسكان بنسبة 1% أو 3%. تُظهر هذه الأمثلة أن خفض السعر الرئيسي لا ينعكس تلقائيًا على أسعار الفائدة في السوق، بل إن تدخل السلطات، بصفتها مساهمًا، هو وحده القادر على توجيه شروط القروض بشكل مباشر.
والنتيجة واضحة: لا يزال عرض القروض في الجزائر غير مرن. إن هيكل السوق، الذي تهيمن عليه البنوك العامة الكبرى، يؤدي إلى انحرافات في المنافسة تعيق انتشار التدابير النقدية. ويظل الحصول على قروض الاستثمار، وهو أمر حاسم لتنويع الاقتصاد وتحفيز المبادرة الخاصة، يمثل مشكلة بغض النظر عن مستوى أسعار الفائدة أو رغبة الجهة المنظمة في خفضها. وطالما لم تأخذ آليات السوق دورها الكامل، فإن تأثير السياسة النقدية سيظل جزئيًا، وسيظل تمويل الاستثمار الخاص هو الحلقة الضعيفة في سلسلة النمو.