كشف تقرير مجلس المحاسبة الفرنسي حول تطبيق قوانين المالية في مجال الضمان الاجتماعي في فرنسا عن حقيقة ملف المتقاعدين الجزائريين الذين يتقاضون منح تقاعدهم من فرنسا في الجزائر. وهو ملف ركزت عليه وسائل الاعلام الفرنسية، رغم كون تقرير مجلس المحاسبة لا يخص المتقاعدين الجزائريين وحدهم.ا
التقرير يحتوي على عدة محاور تظهر إختلالات كثيرة في منظومة الضمان الاجتماعي الفرنسي. من بين هذه المحاور، نجد المحور الثامن تحت عنوان "التهرب في منح التقاعد المدفوعة في الخارج: يجب مواصلة تحسين الوقاية منها وتقليص حجمها".
ولا ينفي التقرير وجود تهرب لدى المتقاعدين المقيمين في فرنسا، لكن الفرق بين الحالتين هو أن السلطات الفرنسية لا تملك الأدوات القانونية للتدخل خارج فرنسا لمراقبة مدى صحة الملفات المصرح بها من قبل المتقاعدين المقيمين في الخارج.
تحقيقات في الجزائر والمغرب وإسبانيا
المعطيات الواردة في هذا المحور هي نتاج تحقيق أجراه مجلس المحاسبة الفرنسي حضوريا في كل من إسبانيا والجزائر والمغرب، باعتبار هذه البلدان تحصي أكبر عدد من المتقاعدين الخاضعين لنظام التقاعد الفرنسي، بالإضافة إلى تحقيقات أجريت عن بعد مع المتقاعدين البرتغاليين.
بداية يقدم التقرير أرقام مفتاحية، كعدد المتقاعدين المقيمين خارج فرنسا (1,1 مليون في النظام العام و900 ألف في النظام التكميلي) ويمثلون 7 بالمائة من أجمالي المتقاعدين في فرنسا. و11 بالمائة من هؤلاء المتقاعدين المقيمين في الخارج، مولودون في فرنسا. ويقدر المبلغ الإجمالي لمنح التقاعد المدفوعة نحو الخارج، 3,9 مليار أورو بالنسبة لنظام التقاعد العام وملياري أورو بالنسبة للنظام التكميلي. أي بمجموع 5,9 مليار أورو، وهو رقم يمثل 2,7 بالمائة من المبلغ الإجمالي لمنح التقاعد السنوية في فرنسا.
أكثر من 60 مليوون أورو منح تقاعد غير مستحقة
وقدر التقرير حجم المبالغ المدفوعة وثبت أنها غير المستحقة ب 43 مليون أورو في عام 2021، ويعادل هذا الرقم 3 بالمائة من قيمة المنح المدفوعة بالنسبة لنظام التقاعد العام. في حين بلغت قيمة المنح غير المستحقة في النظام التكميلي 21,5 مليون أورو، وتعادل 10 بالمائة من قيمة المنح.
من بين الملاحظات التي سجلها التقرير كذلك، أن عدد المتقاعدين في فرنسا إرتفع سنة 2022 بنسبة 1,3 بالمائة، بينما إنخفض عدد المتقاعدين المقيمين في الخارج بنفس النسبة. وأضاف التقرير أن المنحى التنازلي لهذه الشريحة بدأ في عام 2013 ومرشح للاستمرار إلى غاية 2029.
كما يشير التقرير أن المتقاعدين المقيمين في الخارج يتقاضون في المعدل منحا تساوي 35 بالمائة من معدل المنح المدفوعة في فرنسا، أي 300 أورو شهريا منحة قاعدية في النظام العام و193 أورو شهريا في النظام التكميلي (839 أورو شهريا و453 أورو شهريا بالنسبة للمتقاعدين المقيمين في فرنسا).
الجزائر وبلدان شمال إفريقيا تمثل 40 بالمائة من المتقاعدين الأجانب
ما يقارب نصف عدد المتقاعدين المقيمين في الخارج يوجودون في أوربا، وبشكل خاص البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا، 40 بالمائة منهم موجودون في شمال إفريقيا موزعون كالتالي: 31 بالمائة في الجزائر و6 بالمائة في المغرب و3 بالمائة في تونس.
وتطرق التقرير من جهة أخرى إلى مصادر التهرب المؤدي إلى دفع منح غير مستحقة، أبرزها عدم التصريح بالوفاة. ويقول التقرير في هذا المجال أن "شهادات إثبات الوجود (شهادات الحياة) سهل تقليدها ولا تمنح الضمانات الكافية ويمكن للسلطة المخولة محليا التأشير بمطابقة ملف أي متقاعد، ان تكون ضحية أو متواطئة"... وبناء على ذلك يقدر مجلس المحاسبة الفرنسي إحتمالات دفع منح تقاعد غير مستحقة للخارج، بين 2020 و2023 قد تصل إلى قيمة 200 مليون أورو.
وأظهرت عملية مراقبة إعتباطية على عينة من 628 ملف خاص بمتقاعدين جزائريين و168 ملف خاص بمتقاعدين إيطاليين و186 ملف خاص بمتقاعدين مغاربة، أن 3 بالمائة في الحالة الجزائرية و07 بالمائة في الحالتين الإيطالية والمغربية، هي ملفات غير مطابقة.
التحقيقات القنصلية تستمر مع 60 ألف متقاعد سنويا
كما يشير التقرير إلى عملية مراقبة تمت على مستوى القنصليات بالجزائر والمغرب بين 2020 و2023، تمثلت في إستدعاء 2500 متقاعد مغربي (نسبة 3 بالمائة من مجموع المتقاعدين المقيمين في المغرب) و4000 جزائري (1 في المائة من مجموع المتقاعدين المقيمين في الجزائر) ومن المقرر أن تتواصل العملية في المغرب بإستدعاء 11 بالمائة من المعنيين بمنح التقاعد الفرنسية سنويا وبإستدعاء 60 ألف سنويا من المعنيين في الجزائر، ما سيسمح بمراقبة كافة المتقاعدين المعنيين في غضون ست سنوات.
أبرز النتائج المتوصل إليها من خلال عمليات المراقبة هذه، أنه لدى إستدعاء كل المتقاعدين البالغين من العمر 85 سنة، بالقنصلية الفرنسية بالجزائر العاصمة، تم تسجيل وفاة 588 منهم، وحوالي نصف من المتقاعدين المتوفين لم يتم التصريح بهم قبل الاستدعاء. وقدر مجلس المحاسبة الفرنسي خسائر عدم التصريح بوفاة هؤلاء المتقاعدين بمليون أورو.
ما مصير المنح المجمدة تعسفا
وبناء على هذه العينة، قدر تقرير مجلس المحاسبة الفرنسية إحتمال وجود منح غير مستحق مدفوعة لمتقاععدين مقيمين في الجزائر، ب40 إلى 80 مليون أورو إلى غاية صدور هذا التقرير. في حين يقدر الاحتمال بالنسبة للمغرب ب12 مليون أورو، مع العلم عدد المتقاعدين المقيمين في الجزائر يفوق عددهم في المغرب أضعاف المرات. وتطرق التقرير من جهة أخرى لتجميد منح المتقاعدين الجزائريين الذين لم يستجيبوا لاستدعاءات المراقبة في ظرف ثلاثة أشهر، مشيرا لغياب أي آلية تنظيمية تنص على إمكانية إعادة الاستدعاء أو تحدد تاريخ لذلك. ولم يذكر التقرير أي رقم بخصوص عدد هؤلاء ولا قيمة المبالغ التي تم تجميد دفعها.