B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

الجزائري آخر من يعلم عن بلده: حين تُسرّب الأخبار للخارج و تُمنع عن الداخل

Par S.Boudour
25 مايو 2025
الجزائري آخر من يعلم عن بلده: حين تُسرّب الأخبار للخارج و تُمنع عن الداخل

في الجزائر، كل شيء ممكن… إلا أن تعرف ما يحدث في بلدك وقت الحدث، لا بعد التسريب. تعيين ضابط سامٍ؟ تغيير مدير جهاز أمني؟ تعيين شخصية على رأس مؤسسة دستورية؟ لا تنتظر بيانًا رسميًا، ولا تعوّل على صحفي الداخل، فالمعلومة ستصلك “مسربة” من الخارج، عبر حساب هاوي مغمور أو ناشط في المهجر ، وبالطبع قبل أن تُعلن رسميًا، إن أُعلنت أصلًا.

وهنا يبدأ السؤال الحقيقي: من يُسرب؟ ولماذا؟ ومن اختار أن يكون الجزائري في الداخل آخر من يعلم؟

خذ مثلاً خبر إنهاء مهام قائد الدرك الوطني الفريق أولحاج، أو تسريب خلافة ناصري عزوز لصالح قوجيل على رأس مجلس الأمة، أو حتى تعيين العميد حسان على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي. كلها تسريبات خرجت من “منابر خارجية” قبل أن تنطق بها أي جهة رسمية، وتبين لاحقًا أنها صحيحة تمامًا. بل إن بعض الأخبار السابقة لم تُعلن رسميًا إلا بعد أسبوع أو أسبوعين.

هذه ليست حالات معزولة، بل سلسلة طويلة من الأخبار التي تم تسريبها من خارج البلاد، وتداولها نشطاء وصحفيون في المهجر، يقال عنهم أنهم "أعداء الوطن"، بينما كان المواطن داخل الوطن يتابعها في صمت، متسائلًا: لماذا لا تُعلن هذه القرارات هنا أولًا؟ ولماذا تُعطى المعلومة حصريًا للخارج؟ ومن يصنع أو يساهم في "مصداقية" تلك المصادر.

لا أحد ينكر أن الدولة تمارس طوقًا من الغموض حول كل ما يمس الأمن والمؤسسات الحساسة، لكن المثير فعلاً أن هذه “الأسرار” تجد طريقها بشكل غريب إلى منابر ومواقع خارجية.

فمن أين لهم بهذه التفاصيل؟ أهي رسائل تُوجه عن طريق الإعلام البديل؟ أم أن هناك من يتعمد تحويل المعلومة الرسمية إلى سبق خارجي في عملية تضرب مصداقية الاعلام الجزائري في الصميم؟

نحن أمام عملية متعمدة لصناعة مرجعية إعلامية خارجة عن سيطرة المؤسسات، ومبنية على علاقات شخصية وتسريبات مدروسة.

من يسرب لا يُسأل، ومن ينشر من الخارج يُعامل كبطل “استقصائي”، بينما الصحفي المحلي يُكبل بقيود القانون والرقابة، ولا يستطيع حتى أن يؤكد خبراً بات معروفًا للجميع.

هكذا تُبنى فجوة خطيرة: دولة تحتكر المعلومة، ومسربون خارجيون يحتكرون نشرها، وصحفي في الداخل ممنوع من السؤال. أما المواطن، فعليه أن يقرأ عن بلده من مصادر لا يخضع أصحابها لا للمساءلة ولا للمهنية.

فمن يخاطب من في هذا المشهد؟ من يثق في من؟ ولماذا تُسلّم مفاتيح المعلومة الحساسة لنشطاء في المهجر بدلًا من مؤسسات الداخل؟ هل نحن أمام أزمة ثقة؟ أم هندسة مقصودة للرأي العام؟

هذا ليس “سبقًا صحفيًا”… بل مسرح تسريبات، يلعب فيه الجميع، ويخسر فيه الوطن.

سعيد بودور