وفقًا للديوان الوطني للإحصائيات (ONS)، قفز الناتج المحلي الإجمالي للجزائر بنسبة 7.2% في عام 2024. هذا الرقم دقيق، لكن يجب ربطه بالنمو الحقيقي الذي لم يتجاوز 3.7%، في حين تتفاقم مؤشرات العجز الخارجية، مما يكشف عن نقاط الضعف في اقتصاد يعتمد على النفط ويفتقر إلى التنوع.
نشر الديوان الوطني للإحصائيات يوم الخميس الماضي تقريره السنوي حول الحسابات الاقتصادية للأعوام 2021-2024. الوثيقة، التي تُقدَّم على أنها الصورة الأكثر اكتمالاً للوضع الاقتصادي الوطني، تعرض رقمًا صادمًا: قفز الناتج المحلي الإجمالي للجزائر بنسبة 7.2% بالقيمة الاسمية ليصل إلى 36,103.5 مليار دينار في عام 2024، أي ما يعادل 269.3 مليار دولار وفقًا للديوان. أداءٌ تُقَدِّمه البيانات الرسمية كدليل على متانة الاقتصاد، في وقت تسعى فيه البلاد لتعزيز مكانتها في الاقتصاد الأفريقي.
لكن، وكما هو الحال دائمًا، تكمن الحقيقة في الهوامش. فخلف الرقم الباهر، تختبئ معلومة لا يذكرها الكثيرون: النمو الحقيقي، أي الذي يقيس تطور حجم السلع والخدمات المنتجة، لم يتجاوز 3.7%. أما البقية، أي ما يقرب من نصف "القفزة" المعلنة، فهو نابع من تأثير الأسعار والتضخم الضمني في الناتج المحلي الإجمالي الذي قُدِّر بـ 3.4%.
اقتصاد بقراءتين مختلفتين
خلف الأرقام الرسمية، كل نقطة مئوية تحمل رهانًا سياسيًا. الحكومة تسلط الضوء على الإشارة الإيجابية لاقتصاد "يتقدم"، لكن المجتمع المالي الدولي لديه طريقته الخاصة في الحساب. لقد توقع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي نموًا جزائريًا يتراوح بين 3.6% و3.9% في عام 2024، وهو ما يتوافق مع أداء القطاعات الحقيقية.
يؤكد تقرير الديوان الوطني للإحصائيات هذه الديناميكية: فقد ارتفع النمو في القطاعات غير الهيدروكربونية بنسبة 4.8%، مدعومًا بموسم زراعي جيد (+5.3%)، وانتعاش في قطاع النسيج (+10.3%)، وتجارة نشطة بشكل خاص (+7.4%). أما قطاع الخدمات، الذي أصبح ركيزة لا يمكن إنكارها، فيمثل 47.2% من القيمة المضافة الوطنية.
لكن إلى جانب هذه الأرقام المشجعة، لا يزال شبح قطاع المحروقات يطارد الاقتصاد. فبعد تحسن طفيف في عام 2023 (+3.6%)، تراجع القطاع بنسبة -1.3% من حيث الحجم في عام 2024. أما بالقيمة الاسمية، فقد انخفضت مساهمته بنسبة -4.7%، كنتيجة مباشرة لانخفاض الأسعار العالمية للبرميل وتقلص بنسبة -2.8% في أنشطة الاستخراج.
ناتج محلي إجمالي قياسي، لكن أساسيات متراجعة
هذه هي المفارقة. فبينما تسجل الجزائر ناتجًا محليًا إجماليًا "قياسيًا"، يترنح قلبها النابض بالطاقة. وينعكس هذا الضعف في المبادلات الخارجية. في عام 2024، تراجعت الصادرات الإجمالية بنسبة -2.4% من حيث الحجم، وانهارت الصادرات غير الهيدروكربونية بنسبة -20.8%. في المقابل، استمرت الواردات في النمو (+11.9%)، مما أدى إلى تعميق العجز التجاري الذي لم تستطع حتى الزيادة في صادرات الخدمات (+14.3%) تعويضه.
يُقرأ هذا الضعف أيضًا في الأرقام التي نشرها بنك الجزائر. ففي عام 2024، تفاقم العجز الإجمالي لميزان المدفوعات ليصل إلى -7.5 مليار دولار، وسجل حساب المعاملات الجارية عجزًا هائلاً بلغ -10.5 مليار دولار. أما الحساب الرأسمالي، فيبقى شبه معدوم (-0.038 مليار دولار)، وهي علامة على عجز مستمر عن جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي. هذه الاختلالات المالية تذكرنا بأن النمو الذي يعلنه الديوان الوطني للإحصائيات يعتمد بشكل أكبر على الطلب المحلي المدعوم بالدعم الحكومي، منه على تعزيز الأساسيات الخارجية.
إذن، فإن وهم نمو بنسبة 7.2% يخفي اقتصادًا تظل قاعدته ضعيفة. فبينما شهد الاستثمار الإنتاجي تسارعًا قويًا (+9.8% بالحجم، و+15.3% بالقيمة)، فإنه لا يزال يعتمد بشكل كبير على الإنفاق العام والطلب المحلي الذي ارتفع بنسبة 6.9%. لكن هذا الطلب مدعوم بالتحويلات المالية من الميزانية والتضخم الذي يقضم القوة الشرائية: فقد ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 3.9% فقط، وهو تباطؤ طفيف مقارنة بعام 2023.
بالنسبة لمن يقرأ ما بين السطور، فإن الديوان الوطني للإحصائيات لم يخدع. فالتقرير يميز بوضوح بين مفهومي النمو، الاسمي والحقيقي. لكن الخطاب العام يختار الرقم الأكثر بريقًا. على المدى القصير، تمنح هذه الاستراتيجية صورة لاقتصاد قوي. أما على المدى الطويل، فإنها تقوض مصداقية المؤسسات وتغذي شكوك الفاعلين الاقتصاديين، المحليين والدوليين على حد سواء.