شهدت الجزائر خلال يومين متتاليين زيارتين لافتتين من شخصيتين لبنانيتين بارزتين: مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس اللبناني جوزيف عون.
قام مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره، بزيارة رسمية إلى الجزائر يوم 27 جويلية 2025، ضمن جولة شملت تونس وليبيا والمغرب.
استقبله وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، ثم التقى الرئيس عبد المجيد تبون في قصر المرادية، بحضور وفدين رفيعي المستوى من الجانبين.
اللقاءات ركزت على تعزيز العلاقات الجزائرية ـ الأمريكية، خصوصًا في مجالات الدفاع، الطاقة، الزراعة، والتعليم العالي.
كما ناقشت ملفات إقليمية حساسة مثل الأزمة الليبية، أمن الساحل، وقضية الصحراء الغربية.
بولس شدّد على أن واشنطن تعتبر الجزائر شريكًا أساسيًا في الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب، مؤكدًا التزام بلاده بدفع التعاون التجاري والأمني.
هذا التصريح اعتُبر في الجزائر إشارة إلى إعادة توازن في الموقف الأمريكي.
وتأتي الزيارة في توقيت حساس، مع اقتراب بدء فرض رسوم جمركية أمريكية على بعض الواردات الجزائرية، ما جعلها أيضًا فرصة لامتصاص توتر نسبي تجاري بين البلدين.
زيارة الرئيس جوزيف عون إلى الجزائر
بعد يومين فقط، وصل الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الجزائر في زيارة دولة يوم 29 جويلية 2025، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 25 عامًا.
عون أشاد بالمواقف التاريخية للجزائر تجاه لبنان، مؤكدًا أنها لم تتأخر يومًا في دعمه، خصوصًا خلال المحن الكبرى.
الزيارة ركزت على ملف الطاقة، حيث سعى لبنان إلى إعادة إحياء اتفاق التزويد بالفيول مع شركة “سوناطراك” الجزائرية، والذي تعطل عام 2020 إثر فضيحة “الوقود المغشوش”.
كما طُرحت إمكانية تقديم الجزائر هبة نفطية أو تسهيلات لتخفيف أزمة الكهرباء اللبنانية.
الجانب الجزائري أبدى استعدادًا لتقديم مساعدات أوسع، شملت منحًا مالية لإعادة الإعمار، مساعدات للتلفزيون اللبناني، وزيادة المنح الدراسية للطلاب.
كما جرى بحث استئناف رحلات “الخطوط الجوية الجزائرية” إلى بيروت، وتوقيع اتفاقيات ثقافية وتعليمية جديدة.
اختيار الجزائر كأول وجهة عربية للرئيس عون يحمل دلالات سياسية، فهو يعكس رغبة في الانفتاح على بلد عربي “محايد” وغير متورط في التجاذبات اللبنانية، وفي الوقت نفسه قادر على تقديم دعم ملموس بلا شروط.
المفارقة اللافتة أن زيارة بولس سبقت وصول عون بـ48 ساعة فقط. ورغم عدم الإعلان رسميًا عن أي تنسيق، إلا أن الإعلام اللبناني تحدث عن احتمال وجود تواصل غير معلن بين الرجلين.
تقارير أشارت إلى لقاء سابق بينهما في القاهرة برعاية مصرية، وتحدثت عن قنوات خلفية تجمع فريق عون ببولس، رغم اعتراض إدارة بايدن على أي دور لبولس في الملف اللبناني.
بالتالي، قد يكون التزامن بين الزيارتين أكثر من مجرد صدفة.
الجزائر، التي تحرص على لعب دور جامع عربي ودولي، بدت وكأنها ساحة التقاء بين مبعوث ترامب غير الرسمي والرئيس اللبناني الجديد، في لحظة إقليمية حساسة.
بالنسبة لواشنطن (من خلال بولس)، ينظر الى الجزائر المنفتحة مؤخراً على واشنطن، شريك لا غنى عنه في قضايا الأمن والطاقة.
وبالنسبة لبيروت، هي سند سياسي واقتصادي يقدم المساعدة بلا شروط.
أما التزامن بين الزيارتين، فقد يفتح الباب أمام قراءات سياسية أوسع، خصوصًا إذا صحّت فرضية وجود تنسيق غير معلن بين بولس وعون برعاية جزائرية.