الجزائر تحيي ذكرى عيد العمال في غياب الحركة العمالية
تحيي الحزائر عيد العمال العالمي لهذا العام، دون أي نشاط إجتماعي يوحي بوجود عمال ونقابات في بلد عرف الحركة النقابية في قلب النظام الاستعماري والثورة التحريرية، وأكثر من ذلك ولدت حركته الوطنية الاستقلالية من قلب الحركة النقابية.
لم يسبق أن واجهت الحركة العمالية في الجزائر التحديات المفروضة عليها في العامين الأخيرين. فهي من جهة مطالبة بالتكيف مع الإطار القانوني الجديد المتمثل في قانون 23 /02 المتعلق بالحق النقابي، وهو القانون الذي طالبت جل المنظمات النقابية بسحبه قبل أن يصادق البرلمان بغرفتيه ويصبح ساري المفعول. ومن جهة أخرى يحتاج الدفاع عن المكاسب الاجتماعية نقابات قوية ومتحررة من القيود الإدارية والمتابعات القضائية
الحكومة بررت عرضها القانون الجديد المتعلق بالحق النقابي بضرورة التكيف مع الدستور الجديد ومع القواعد المتعرف عليها دوليا. لكن في الواقع فرضت على النقابات النشطة في الساحة الوطنية شروطا تعجيزية. أما تأسيس منظمات نقابية جديدة فيكاد يكون ذلك مستحيلا، بالنظر إلى شروط التمثيل المطلوبة والالتزامات المطلوبة من أي عامل ينخرط في النضال النقابي، زائد التهديدات الكثيرة التي يواجهها العامل النقابي، سواء التهديدات بالسجن أو بفقدان منصب عمله…
في ظل هذه البيئة المعادية للنضال النقابي، لم يتردد أعضاء الحكومة في إعلان عدم تمثيلية أكبر النقابات المعروفة في الساحة الوطنية منذ عقود. وأبرز النقابات التي تواجه انكار الحكومة، نجد النقابة الوطنية المستقلة لاستاذة التعليم ثلاثي الأطوار(كناباست) ومنسقها الوطني، مسعود بوديبة الذي فرضت عليه الرقابة القضائية مع التوجه مرتين في الشهر من العاصمة، مقر سكناه، إلى ولاية المسيلة للتوقيع في سجل الرقابة القضائية.
قطاع التعليم: إضرابات دورية ومطالب متعلقة بالأنظمة الخاصة
لعل أهم تطور ميز الساحة النقابية الجزائرية خلال العام الجاري، مقاطعة وسائل الاعلام بكل أنواعها: الورقية والاكترونية والسمعية البصرية، للإضرابات المختلفة التي شهدتها قطاعات التربية والصحة. أما القطاعات الاقتصادية، فلا تصل أخبار إضراباتها إلى قاعات تحرير الأخبار أصلا، لوقوعها في مناطق بعيدة عن العاصمة بمئات الكيلومترات. إضراب قطاع التعليم في الجزائر منذ فبراير 2025 ، أهم هذه الاإضرابات. وكانت دورية قادتها أربعة نقابات رئيسية، وهي: تنسيقبة الاساتذة الثانويين (سيلا) والنقابة المستقلة لاساتذة الاطوار الثلاث (سناباست) والمجلس الوطني المستقل لاساتذة الاطوار الثلاث (كناباست) ونقابة مجال. القانون الجديد يمنع عليها الاصرابات المفتوحة ويعرص المضربين لعواقب كثيرة في حال استمرارهم في إضراب طويل المدى. ما جعل النقابات الأربعة تلجأ لإضراب دوري لمدة يومين أسبوعيا. وجاءت هذه الخطوة احتجاجًا على المراسيم الجديدة المتعلقة بالقانون الأساسي لعمال التربية ونظام الاجور والتعويضات، والتي اعتبرتها النقابات غير كافية وتم إعدادها دون إشراكهم في الحوار.
قطاع الصحة: احتجاجات نقابية وأخرى طلابية
وفي جانفي 2025، أعلنت خمس نقابات في قطاع الصحة، عن إضراب وطني يومي . جاء ذلك بعد صدور المرسومين رقم 86 و87 المؤرخين في 29 ديسمبر 2024، واللذين يتضمنان القوانين الأساسية وأنظمة التعويضات الخاصة بالقطاع. حيث رفضت النقابات هذه النصوص جملة وتفصيلًا، معتبرة أنها أُعدت دون تشاور ومخالفة للوعود التي قدمها رئيس الجمهورية. لكن، وبعد وعود من وزارة الصحة بتشكيل لجنة لدراسة الاختلالات وتنظيم لقاءات مصالحة، قررت النقابات تعليق الإضراب المزمع.
منذ 16 أكتوبر 2024، دخل طلاب الطب، الصيدلة، وطب الأسنان في إضراب وطني، مصحوب باحتجاجات في مدن عدة مثل الجزائر، وهران، قسنطينة، سطيف، وعنابة، في غياب كل للتغطية الإعلامية. وقابلت السلطات هذه الحركة الاحتجاجية بالانكار وتم سجن طالب من كلية الطب بتلمسان، ورغم ذلك إستمر الاضراب لمدة 50 يوما. ورفع الطلبة نفس المطالب التي تظل عالقة منذ سنوات طويلة، منها زيادة عدد مناصب الإقامة، والاعتراف بشهاداتهم دوليًا، وتحسين ظروف التكوين، وضمانات التوظيف بعد التخرج.
مرسوم يمنع الإضراب في قطاعات تعتبرها السلطات حساسة
تطبيقا للقانون الجديد المتعلق بالحق النقابي، صدر المرسوم التنفيذي الذي يمنع اللجوء إلى الإضراب في عدة قطاعات تعتبرها الحكومة "استراتيجية"، منها: الدفاع، الأمن الوطني، العدالة، الحماية المدنية، الشؤون الخارجية، المالية، الطاقة، النقل، الزراعة، التعليم، والتكوين المهني.
وقبل صدور التشريعات الجديدة، اختفت الاضرابات في العديد من القطاعات التي كانت في الماضي رائدة في الدفاع على المكاسب الاجتماعية، نجد على راسها قطاع الطاقة مع فيدراليته التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين والاتحاد المحلي لحاسي مسعود الذي كان لوحده يفرض على الحكومة إعادة حساباتها كلما تعلق الأمر بقوانين لها علاقة بالمؤسسات الاقتصادية أو بحقوق العمال أو القوانين المسيرة لقطاع الطاقة والمحروقات.
وحتى تاريخ اليوم، 1 ماي 2025، لا نجد أثرا لإضرابات جديدة في قطاع الطاقة بالجزائر. وآخر إضراب مسجل في هذا القطاع يعود إلى عام 2019، عندما دعت النقابة الوطنية لعمال الطاقة إلى إضراب عام احتجاجًا على ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة.
القطاع الخاص: الحركة النقابية مؤجلة لموعد مجهول
تبقى اللغز المحير في الحركة النقابية الجزائرية هو عجزها عن ولوج القطاع الخاص، رغم بعض التجارب القليلة والمحدودة في الزمان والمكان، رغم الأهمية المتزايدة .للقطاع الخاص في الحياة الاقتصادية الجزائرية.
محمد ايوانوغان