بعد توالي بيانات النيابة العامة ومصالح الأمن، وتصريحات وزير الداخلية والنقل ووزير العمل والتشغيل والتضامن الاجتماعي، وصولًا إلى قرارات بنك الجزائر، تكون الحكومة قد فرضت عمليًا حصارًا محكمًا على منحة السياحة المقدرة بـ750 أورو. هذا “الحصار” تجسّد في تشديد الرقابة، تضييق شروط الاستفادة، وفتح مسارات المتابعة القضائية، على خلفية ما تصفه السلطات بتحايل واسع على آليات المنحة. أرقام الحكومة تشير إلى تسجيل أكثر من 100 ألف حالة احتيال خلال أشهر قليلة فقط من دخول المنحة حيز الخدمة، ما دفع مختلف الهيئات الرسمية إلى التحرك المتزامن لإغلاق منافذ الاستغلال غير المشروع.
وزير الداخلية والنقل ورقم 100 ألف حالة احتيال :
كشف وزير الداخلية والنقل، السعيد سعيود، أمام المجلس الشعبي الوطني عن تسجيل عمليات احتيالية واسعة النطاق للحصول على حق الصرف الخاص بالمنحة السياحية. وأوضح أن التحايل تم عبر تنظيم رحلات “وهمية” نحو تونس بواسطة الحافلات، وهو ما أدى إلى اتخاذ قرار منع عبور الحافلات للحد من هذه الممارسات. وأكد الوزير أن حجم الاحتيال بلغ أكثر من 100 ألف حالة خلال شهر ونصف فقط، ما يعكس، حسبه، خطورة الظاهرة واتساعها.
بنك الجزائر يتفاعل ويُشدد شروط الإستفادة
بادر بنك الجزائر إلى تشديد شروط الاستفادة من المنحة عبر سلسلة من المذكرات التنظيمية، أبرزها إلغاء الدفع النقدي نهائيًا للمقابل بالدينار الجزائري، وفرض التعامل الحصري بوسائل الدفع الكتابية مثل بطاقة الدفع بين البنوك (CIB) أو الشيك البنكي. كما اشترط البنك حيازة حساب بنكي باسم المستفيد، مع تفعيل إجراءات التحقق واليقظة، وربط منح الحق بالقدرة المالية الفعلية. وشملت التدابير إلزام المستفيدين الذين تقل مدة إقامتهم بالخارج عن سبعة أيام بإرجاع المبلغ، تحت طائلة الحرمان من الحق لمدة خمس سنوات.
الوكالة الوطنية للتشغيل تدخل الخطة وتتوعد بالمتابعة القضائية
من جهتها، أعلنت الوكالة الوطنية للتشغيل عن تورط عدد من مستفيدي منحة البطالة في شبكات منظمة حولت منحة السفر بغير وجه حق. وأكدت الوكالة أن التحقيقات أثبتت استغلال هذه الفئة لوضعيتها الاجتماعية للتحايل على شروط الاستفادة. وشدّدت، تحت وصاية وزارة العمل والتشغيل والتضامن الاجتماعي، على الشروع في متابعات قضائية ضد كل مستفيد يثبت ضلوعه في هذه الشبكات، حماية للمال العام.
القضاء ومصالح الأمن يباشران التحقيقات
أفادت مصالح الأمن بتفكيك شبكات منظمة تنشط في ترتيب رحلات صورية ووثائق شكلية بغرض تمكين غير المستحقين من الاستفادة من المنحة. وأكدت أن التحقيقات لا تزال متواصلة، مع توسيع دائرة التحري لتشمل وسطاء ومتعاملين محتملين ساهموا في تسهيل عمليات التحايل.
بالتوازي مع التحريات الأمنية، باشرت الجهات القضائية دراسة الملفات المحالة، مع التأكيد على أن قضايا الاحتيال المتعلقة بمنحة السياحة ستُعالج في إطار حماية المال العام ومكافحة الجريمة المنظمة. وأشارت مصادر قضائية إلى أن المتابعات قد تشمل عقوبات مالية وجزائية، إضافة إلى الحرمان من الامتيازات مستقبلاً.
إقرأ المزيد : محسن بلعباس ينتقد شروط المنحة السياحية : “ صدقة..لا ترقى لحق المواطنة”
يُذكر أن المنحة السياحية دخلت حيز الخدمة رسميًا بتاريخ 8 ديسمبر من العام الماضي، بقرار من مجلس الوزراء، حيث رُفعت قيمتها من 95 إلى 750 أورو للبالغين مرة واحدة في السنة، ومن 100 إلى 300 أورو لفائدة القصر. غير أن الارتفاع الكبير في القيمة، حسب السلطات، فتح الباب أمام موجة تحايل دفعت الحكومة إلى الانتقال من التسهيل إلى التشديد، ومن التحفيز إلى الحصار.
ولم تدخل المنحة السياحية حيز التنفيذ إلا بعد أكثر من سبعة أشهر من الوعود والجدل بين وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر.
