قضية الصحراء الغربية مرشحة للدخول في عهد جديد ابتداءً من 30 أكتوبر الجاري، مع صدور لائحة مجلس الأمن الأممي التي بادرت بها الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب.
ولا يعني هذا العهد الجديد نهاية النزاع الصحراوي المجمد منذ عقود طويلة، ولا يعني نهاية سعيدة بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره. بل يعني فقط دخول النزاع الصحراوي في حسابات جديدة وفق معطيات تتجاوز مواثيق الأمم المتحدة.
قال محمد يسلم بيسط ، وزير الخارجية الصحراوي، في كلمته الافتتاحية أمام الصحفيين أمس، رداً على مشروع اللائحة الذي يتم تداوله في وسائل الإعلام والأوساط الدبلوماسية العالمية: "إذا كان المغرب مصراً على مقترحه فليتم تقديمه كخيار من جملة خيارات يختار الشعب الصحراوي من بينها بحرية، أما محاولة فرضه كخيار وحيد فمرفوض جملةً وتفصيلاً."
معنى ذلك أن جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قد أدرجت في حساباتها مقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب، لكنها في الوقت نفسه متمسكة باستفتاء حق تقرير المصير الذي يسعى المغرب لإسقاطه.
السيناريوهات الممكنة بعد 30 أكتوبر القادم
أي كان مضمون اللائحة المرتقبة، وحتى إن حصلت النصاب القانوني الذي يجعلها إلزامية (9 أعضاء من إجمالي 15 دون ممارسة حق الفيتو من أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين)، فإن رهان المغرب على حل بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) قد سقط.
وتشير كل التوقعات الآن إلى تمديد مهمة هذه البعثة مدة ستة أشهر على الأقل، أي إلى غاية أبريل القادم. فيما يتحدث مشروع اللائحة المتداول عن تمديد المهمة إلى نهاية يناير القادم، بينما طالب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره بتمديد مهمة المينورسو إلى أكتوبر من العام المقبل.
تلعب المينورسو منذ وقف إطلاق النار عام 1991 دور المنطقة العازلة بين طرفي النزاع، وعليه فإن أي توقيف لمهمة هذه البعثة يعني بنسبة كبيرة عودة الحرب. لكن حل المينورسو بالنسبة للنظام الملكي المغربي يعني اعترافاً رسمياً بمغربية الصحراء الغربية وسقوط الشرعية الدولية لجبهة البوليساريو.
وانطلاقاً من هذه النقطة، ستبدأ المفاوضات على ما أسماه المستشار الأمريكي ستيف ويتكوف "اتفاق السلام بين الجزائر والمغرب"، كما لو كان نزاعاً جزائرياً مغربياً وليس قضية تصفية استعمار.
مصير إستفتاء تقرير المصير
بقي رهان آخر مرتبط بالمينورسو، يتعلق بالمهمة التي ستوكل لها. هنا يسعى حلفاء المغرب إلى تقليص دورها وجعلها مجرد آلية تضمن حضور الأمم المتحدة في الميدان.
لكن تمسك البوليساريو باستفتاء تقرير المصير يجعل مبادري لائحة مجلس الأمن يفكرون في صياغة تحافظ على مبدأ تنظيم الاستفتاء، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على مصداقية الأمم المتحدة ومختلف هيئاتها. وإلا، سنكون أمام سابقة قد تغير قواعد العلاقات الدولية بشكل نهائي، وتصبح الصفقات تحت الطاولة هي القانون الأسمى.
يرجح المتتبعون للملف أن يبحث حلفاء المغرب عن صياغة لائحة تبقي على مبدأ تقرير المصير، لكن بشكل يجعلها مجرد تكريس لمقترح الحكم الذاتي المغربي. هذا صعب التحقيق لأن تقرير المصير، حتى يكون بهذا الشكل، يتطلب اتفاقاً مسبقاً بين الأطراف المتنازعة، كما حدث في اتفاقيات إيفيان بين جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية.
وبالتالي، مصير الشعب الصحراوي لن تحدده اللائحة المرتقبة بشكل كبير في يوم 30 أكتوبر.
اتفاق روسي-أمريكي؟
يرى المتابعون للعلاقات الجزائرية الروسية أن الاتفاق الغازي مع إيطاليا قد قلب هذه العلاقات رأساً على عقب. ونتيجة لذلك، وبعد متابعة قضية صدور خبر في يومية ليبرتي، قرر مدير عام سوناطراك آنذاك، يسعد ربراب، غلق اليومية رغم التضامن الكبير الذي نالته وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
في هذا السياق، يعد وجود صفقة بين واشنطن وموسكو أمراً وارداً، يهدف إلى تجميد النزاع من خلال الاعتراف المتبادل بالمصالح الاستراتيجية في المنطقة.
مثل هذا التسوية من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي على المدى القصير، لكنها ستضع اختباراً حقيقياً للمجتمع الدولي ككل حول احترام القانون الدولي وشرعية الحلول المفروضة.
ترفض الجزائر أن تُزج بها كطرف في نزاع الصحراء الغربية. وعليه، فإن اتفاقاً بين الجزائر والمغرب ينطوي على تطبيع تدريجي للعلاقات الثنائية حول ملفات كثيرة عالقة بينهما، مع ترك خلافاتهما حول ملف الصحراء الغربية ليُعالج داخل الإطار الأممي.
ما قاله لافروف مؤخراً حول مساعي روسيا للتسوية بين الجزائر ومالي قد ينطبق كذلك على الأزمة الدبلوماسية الجزائرية المغربية.
المكالمة التي قد تغير الموقف الروسي
وقد أجرى وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، أمس مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، تناولت من بين أبرز مسائل جدول أعمال مجلس الأمن خلال رئاسة روسيا لهذه الهيئة الأممية المركزية، قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، كما جاء في بيان وزارة الخارجية.
وتزامنت هذه المكالمة مع تواجد وفد عن منظمة أرباب العمل الروس في الجزائر، حيث أجرى رئيس هذه المنظمة عدة لقاءات.