B E R H G A M

T N E G R E M E

غير مصنف

الصين في شمال إفريقيا: مساران مختلفان في المغرب والجزائر

أسامة نجيب 4 ديسمبر 2025
تتبع الاستثمارات الصينية في المغرب والجزائر مسارين مختلفين، ليس بسبب معاملة تفضيلية، بل تبعاً لأولويات واحتياجات كل اقتصاد.

يندرج الحضور الاقتصادي الصيني في شمال إفريقيا ضمن استراتيجية عالمية تتكيّف مع الخصائص الاقتصادية والمؤسساتية والصناعية لكل بلد. ومن هذا المنطلق، تتبع الاستثمارات الصينية في المغرب والجزائر مسارين مختلفين، ليس بسبب معاملة تفضيلية، بل تبعاً لأولويات واحتياجات كل اقتصاد.

في المغرب، تتوجه رؤوس الأموال الصينية أساساً نحو الصناعة وسلاسل القيمة الموجَّهة للتصدير. وتستقطب قطاعات السيارات، والبطاريات الكهربائية، والتقنيات الصناعية، والطاقة المتجددة مشاريع كبرى تنفذها شركات مثل «غوشيون هاي-تك» و«هايليانغ» و«شينزوم». ويستفيد المغرب من بنية تحتية لوجستية متقدمة، ومنظومات صناعية متكاملة، وتموضع استراتيجي كمركز للتصدير نحو أوروبا وإفريقيا. وكل ذلك يوجّه الاستثمارات الصينية بطبيعتها نحو الإنتاج والتصنيع.
أما في الجزائر، فالحركية تختلف. إذ ترافق الصين نموذجاً اقتصادياً يقوم على البنى التحتية، والطاقة، وقطاع المناجم، والاتصالات، والمشاريع العمومية الكبرى. وتحضر الشركات الصينية منذ سنوات في مجالات الأشغال العمومية، والمشاريع الطاقية، والصناعات الأساسية. ويأتي هذا التوجه انسجاماً مع الأولويات الوطنية: تحديث المرافق العمومية، واستغلال الموارد الطبيعية، وتعزيز القدرات الطاقية، وتطوير المشاريع الهيكلية الكبرى.


مقاربتان متمايزتان

ويندرج هذا التباين ضمن توجه عالمي أوسع للسياسة الاقتصادية الصينية. فوفقاً لتقرير AidData حول تطور محفظة الإقراض والاستثمار الصينيين، أصبحت بكين تكيّف أدواتها المالية — من قروض، وشراكات صناعية، واستثمارات مشتركة — بحسب خصائص كل اقتصاد. وبالتالي تعكس الخيارات القطاعية، في المغرب والجزائر كما في مناطق أخرى، تكاملاً بين العرض الصيني واحتياجات كل دولة.
وعليه، يستقطب المغرب استثمارات صناعية موجَّهة للإنتاج والتصدير، فيما تستفيد الجزائر من تمويلات صينية مخصصة للبنى التحتية، والطاقة، والمشاريع العمومية الكبرى. إنهما مقاربتان متمايزتان، لكنهما متكاملتان ضمن الإطار الأوسع للحضور الاقتصادي الصيني في شمال إفريقيا.

الاستثمارات الصينية في المغرب — أرقام حديثة

سجلت الاستثمارات الصينية المباشرة في المغرب سنة 2024 ارتفاعاً بنحو 150٪ مقارنة بسنة 2023. استثمرت شركة «غوشيون هاي-تك» 1.3 مليار دولار في المرحلة الأولى من مصنع ضخم للبطاريات بمدينة القنيطرة، مع إمكانية بلوغ الاستثمار الإجمالي 6.5 مليارات دولار حسب التقديرات. كما ضخت شركات صينية أخرى في قطاع مكوّنات البطاريات والكهرباء مئات ملايين الدولارات في وحدات صناعية داخل المملكة. تعكس هذه الأرقام توجهاً صينياً واضحاً نحو سلاسل القيمة الصناعية والتصنيع الموجّه للتصدير.

الاستثمارات الصينية في الجزائر — مشاريع وقطاعات رئيسية

منذ سنة 2022، صادقت الـ وكالة الجزائرية لترقية الاستثمار (AAPI) على 42 مشروعاً صينياً بقيمة تقارب 4.5 مليارات دولار. تشمل هذه المشاريع قطاعات السيارات، والزراعة، والصناعات التحويلية، والبنى التحتية للنقل، والمشاريع الصناعية الثقيلة. إضافة إلى ذلك، تواصل الصين استثماراتها التقليدية في الطاقة (النفط والغاز)، والأشغال العمومية، والبنى التحتية، والاتصالات. الشراكة بين الصين والجزائر متمحورة حول البنى التحتية والطاقة والمشاريع الاستراتيجية ذات الطبيعة الهيكلية.

تظل الجزائر شريكاً استراتيجياً مهماً بالنسبة للصين، غير أن طبيعة الاستثمارات — التي تكون في الغالب ثقيلة، واستراتيجية، وطويلة الأمد — تختلف بشكل واضح عن المنطق الصناعي والتوجّه التصديري الذي يميّز حضور الصين في المغرب.