يشير تقرير وزارة الزراعة الأمريكية إلى تحسّن فعلي في انتاج القمح مقارنة بالمواسم الصعبة الأخيرة، لكن هذا التحسّن يظل محدوداً ولا يغيّر واقع التبعية الكبيرة للاستيراد من الأسواق العالمية.
يقدّر تقرير وزارة الزراعة الأميركية إنتاج الجزائر من القمح في موسم 2025/2026 ب 3,2 مليون طن، مع مساحة مزروعة تفوق قليلاً مليوني هكتار، وهي مستويات قريبة من موسم 2024/2025، مع زيادة قدرها 0,2 مليون طن . أما إنتاج الشعير فيُتوقَّع عند حوالي 1,2 مليون طن على مساحة تناهز مليون هكتار، ما يعزّز استقرار الإنتاج من دون الحديث عن طفرة إنتاجية.
هذا التحسن يُنسب أساساً إلى ارتفاع في المردودية المتوسطة، من مستويات تقارب 1,2–1,3 طن للهكتار إلى نحو 1,4–1,5 طن للهكتار في القمح، بفضل ظروف مناخية أقل سوءاً ونتائج أفضل في بعض المناطق.
وعلى مستوى الواردات، يؤكد التقرير أن الجزائر ستظل من كبار مستوردي القمح عالمياً. إذ تتوقع وزارة الزراعة الأميركية واردات في حدود 9,2 ملايين طن لموسم 2025/2026، بعد مستوى قُدِّر بأكثر من 9,5 ملايين طن في 2023/2024، وهو رقم قياسي يفوق بأكثر من 800 ألف طن ذروة السنوات السابقة.
في الوقت نفسه، يُقدَّر الاستهلاك الكلي من القمح بنحو 11,9 مليون طن، ما يعني أن حوالي ثلثي الحاجيات يغطيها الاستيراد، بينما لا توفّر الإنتاجية المحلية سوى نحو الثلث.
تضع هذه الأرقام الجزائر في صفوف أهم مستوردي القمح في العالم إلى جانب دول مثل مصر، رغم الأهداف المعلنة بتحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل في القمح الصلب. وتشير تقارير متخصصة إلى أن روسيا أصبحت خلال السنوات الأخيرة المورّد الأول للجزائر، تليها فرنسا ومصادر أخرى مثل أوكرانيا وبعض بلدان أوروبا وأمريكا، ما يضيف بعداً جيوسياسياً واضحاً لملف الحبوب.
عقدة الإنتاج: المردودية، الماء، والتوسّع نحو الجنوب
وراء لغة الأرقام، يسلّط التقرير الضوء على معوّقات بنيوية تعرقل القفزة النوعية في الإنتاج: مردودية ضعيفة مقارنة بالمعايير الدولية، اعتماد كبير على الأمطار، محدودية الري…فمردود القمح في الجزائر يبقى إجمالاً دون 1,5 طن للهكتار، في حين تصل بلدان مصدّرة كبرى إلى 3 أو 4 أطنان للهكتار وأكثر في ظل إدارة زراعية متقدمة وظروف مناخية أكثر استقراراً.
كما يلفت التقرير إلى تنامي زراعة الحبوب في المناطق الصحراوية: بين 5 و8% من إجمالي الحبوب تُزرع حالياً في الجنوب، مع توقع بلوغ المساحات هناك حوالي 150 ألف هكتار في موسم 2025/2026، في زيادة مقارنة بالموسم السابق.
هذه الديناميكية ما تزال محدودة على المستوى الوطني لكنها تعبّر عن خيار استراتيجي يقوم على توسيع المساحات المسقية في الجنوب لتجاوز ندرة الأمطار في الشمال، مقابل تكاليف كبيرة في الماء والطاقة والبنى التحتية.
تحديات الاستهلاك والبعد الاجتماعي
يشير التقرير إلى أن استهلاك الخبز في الجزائر من بين الأعلى عالمياً، مع متوسط يقارب 110 كيلوغرامات من القمح للفرد سنوياً، ما يجعل القمح مادة شديدة الحساسية اجتماعياً وسياسياً.
ويُسجّل أن دعم أسعار الخبز والقمح عند الاستهلاك يجعل الطلب الداخلي لا يخضع لمرونة الاسواق: فعندما ترتفع أسعار القمح عالمياً، لا ينخفض الاستهلاك بشكل واضح، بل تنتقل الكلفة مباشرة إلى الميزانية العمومية وميزان المدفوعات.
بهذه البنية، تصبح السياسة الجزائرية في مجال الحبوب معرّضة بقوة للصدمات الخارجية الراهنة، منها الاضطرابات في البحر الأسود، قرارات حظر التصدير، تقلبات سعر الدولار والشحن البحري، كلها تتحول سريعاً إلى زيادة في فاتورة الاستيراد، في وقت تبقى فيه الأسعار الداخلية للخبز ثابتة تقريباً.