حدَّدت منظمة الصحة العالمية مساحة 10متر مربع إلى 12 متر مربع من المساحات الخضراء يجب أن تتوفر في المدن والمناطق الحضرية. في الجزائر، تشير الدراسات إلى معدل أربعة أمتار مربعة لكل ساكن في مدننا، وتشير تقارير مجلس المحاسبة إلى صعوبة بلوغ المعدلات العالمية في هذا المجال. أين الخلل؟
"أنا مهندس رئيسي في بلدية تيزي وزو متخصص في المساحات الخضراء. تم تنصيبي مديرا للمؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري المكلفة بتسيير المساحات الخضراء التابعة للبلدية. المؤسسة بحوزتها كل وثائق الإدارية بدأ بقرار التأسيس إلى رقم التسجيل الجبائي والحساب البنكي… وينقصها القانون الأساسي، حبيس أدراج مصلحة الشؤون المحلية لولاية تيزي وزو… ليعلم السيد الوالي أن المساحات الخضراء في تيزي وزو تعاني الإهمال منذ تحويلي من منصبي كرئيس مصلحة المساحات الخضراء في البلدية… لدي خبرة في المجال مدتها 27 سنة… المؤسسة مجمدة دون أي مبرر رغم إستثمارنا أربعة ملايير سنتيم في المشتلة وللانطلاق في العمل…" هذا نص رسالة وجهها مهندس مختص في المساحات الخضراء، بعد 27 سنة من العمل لرئيس المجلس الشعبي الولائي لتيزي وزو. لكن الظاهر أن هذا الأخير منشغل حاليا بالحملة الانتخابية للعضوية في مجلس الأمة.
"مغرب إميرجنت" سألت عضو عن المجلس الشعبي البلدي عن أسباب تجميد مشروع هذه المؤسسة العمومية البلدية، فكان جوابه " للأسف كنا نريد إنشاء مؤسسة عمومية أخرى، لصيانة الطرقات. لكن الولاية فاجأتنا بتعليمة من الوزارة الأولى تقضي بتجميد إنشاء المؤسسات العمومية البلدية والولائية ذات الطابع الصناعي والتجاري، كونها مؤسسات تستهلك ميزانيات كبيرة دون جدوى. في الواقع هذه الوضعية تنطبق على المؤسسات العمومية الولائية، أما المؤسسات البلدية فميزانيتها تقع على عاتق البلدية، ولدينا على مستوى بلدية تيزي وزو مؤسسة للنظافة وتسيير مركز الردم التقني. أؤكد لكم أنها لا تستهلك ميزانية كبيرة ولا هي مفلسة".

نفس تقييم المنتخب في بلدية تيزي وزو، نجده عند عمال المؤسسة العمومية لتسيير المساحات الخضراء بمدينة سكيكدة، حيث يؤكد هؤلاء أن رواتبهم زهيدة ويتلقونها من مداخيل مؤسستهم التي تتولى صيانة المساحات الخضراء للولاية بشكل عام، زائد نشاطات أخرى، مثل بيع وتزويد مختلف الإدارات بالورود… وهناك تقرير لمجلس المحاسبة في عام 2021 يخص تسيير وصيانة المساحات الخضراء في بلديات بجاية وبرج وبوعريريج وتيزي وزو، خلص إلى نتيجة مفادها "ضعف إستهلاك" الميزانيات المخصصة للمساحات الخضراء في البلديات الثلاث، حيث بلغت نسبة 23 بالمائة في بجاية و35 بالمائة في تيزي وزو و58 بالمائة في برج بوعريريج. وتمثل هذه المعدلات الاعتمادات المخصصة لإنجاز مساحات خضراء جديدة في الفترة الممتدة بين 2015 و2019، مع الإشارة أن "إنجاز المساحات الخضراء في البلديات الثلاث ممول أساسا بالأموال الخاصة للبلديات وبدرجة أقل من طرف الدولة في إطار المخططات البلدية للتنمية". أما الاعتمادات المخصصة للتسيير (شراء العتاد والأشجار والأتربة والأكياس لجمع النفايات الخضراء…) فبلغت في نفس الفترة 58 بالمائة في بلدية بجاية و13 بالمائة في برج بوعريريج و20 بالمائة في تيزي وزو.
مدن بجاية وبرج بوعريريج وتيزي وزو تحت مراقبة مجلس المحاسبة
في مجال الموارد البشرية، يشير تقرير مجلس المحاسبة إلى نقص كبير في العدد وفي التأهيل والتوزيع. فمصلحة المساحات الخضراء بلدية تيزي وزو تضم 35 عونا، أغلبهم عمال مهنيين غير مؤهلين، 15 منهم فقط موجهين للصيانة والباقي يتكفلون بحراسة الحدائق والساحات. وفي بلدية بجاية يشرف على مكتب المساحات الخضراء مفتشان رئيسيان وطبيب بيطري ومراقب رئيسي للنظافة ومهندس دولة وتقني سامي حضري وتقنيين آخرين مكلفين بمهام مختلفة. كما يضم المكتب 42 عونا، منهم 31 بستاني "موزعين بشكل غير متساو" حسب نفس التقرير، و11 عونا موجهين للإدارة. أما بلدية برج بوعريريج، فيشير تقرير مجلس المحاسبة أنها قلصت عدد أعوان مصلحة المساحات الخضراء من 37 عونا سنة 2015 إلى 30 عونا سنة 2018، 10 بالمائة منهم يشتغلون في الإدارة والبقية تم توظيفهم كبستانيي صيانة موزعين على مختلف المساحات الخضراء.

من جهة أخرى تطرق التقرير لمشكل ضعف التغطية الصحية وإقتناء الألبسة اللازمة لأداء هذه المهام… مع الإشارة أيضا لضعف إستهلاك الميزانيات المخصصة لهذا الغرض.
المحور الوحيد الذي يستهلك نسب عالية من الاعتمادات يهو محور"إنجاز الصيانة من طرف الغير". ويشير تقرير مجلس المحاسبة في هذا الاطار، أن بلدية برج بوعريريج إستهلكت 61 بالمائة من ميزانيتها (أكثر من 32 مليون دينار من أصل حوالي 52 مليون دينار) فيما سجلت بلدية تيزي وزو نسبة 100 بالمائة في إستهلاكها ميزانيتها في هذا المجال (4 424 185 مليون دينار).
من بين ما جاء في رد والي تيزي وزو على أسئلة مراقبي مجلس المحاسبة أن "النقص المسجل في مجال صيانة المساحات الخضراء مرده إلى عدة أسباب، منها نقص عدد العمال المؤهلين ونقص عدد العمال على مستوى المصلحة ونقص وسائل… وسعيا منها لتدارك النقائص المسجلة في هذا الجانب تم إنشاء مؤسسة عمومية بلدية بموجب قرار ولائي رقم 321 المؤرخ في 17 جوان 2020 بنفس الوسائل الموجودة لدى مصلحة البلدية لتسهيل إجراءات التسيير… وقد شرع في وضع هياكلها ووضع تحت تصرفها الوسائل المالية اللازمة"…

ونقرأ في تصريح لرئيس البلدية في يومية "ليبرتي" عام 2021 "لقد تم إنشاء المؤسسة وتعيين مديرها وسنزودها بكل الوسائل المادية البشرية… لا يخفى على أحد أن وضعية المساحات الخضراء في بلديتنا لا تبعث على الارتياح… مهمة هذه المؤسسة هي التكفل الجدي بالحدائق العمومية وفضاءات اللعب والمساحات الخضراء… كما ستوكل لها مهمة القيام بمختلف حملات غرس الأشجار والاعتناء بها…" وبعد رسم صورة مأسوية عن حالة حدائق مدينته ومساحاتها الخضراء، قال رئيس البلدية أن المؤسسة البلدية الناشئة "تقع على عتاقها مسؤولية إعادة هيبة مدينة القندول…".
وفعلا إستفادت المؤسسة من دعم مالي من خزينة البلدية بموجب قرار مؤرخ في 27 نوفمبر 2022، قدره 60 مليون دينار موجهة "لتغطية نفقات المؤسسة". كما تم التوقيع على دفتر أعباء وعقد نجاعة مع مدير المؤسسة… وفي شهر فيفري 2025، نجد في الصفحة الرسمية لبلدية تيزي وزو على فيسبوك صور تحت تعليق "غرس أشجار في شارع كراد رشيد من قبل عمال المصلحة الخضراء لبلدية تيزي وزو". مع العلم أن شارع كراد رشيد يفصل مقر ببلدية تيزي وزو عن حديقة تعد من أقدم الحدائق في المدينة ووجدها مراقبو مجلس المحاسبة في "حالة إهمال كلية" كما أشاروا في تقريرهم.
السلطات المحلية لا تفي بالتزاماتها
قرار تجميد المؤسسة البلدية لتسيير المساحات الخضراء، تلقته البلدية عام 2023، حسب المنتخب المحلي الذي تحدث ل"مغرب إميرجنت" ورفض الكشف عن هويته. لكن هذا الأخير كشف عن وجود تعليمة من الوزارة الأولى تقضي بتجميد إنشاء مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري في كل الولايات وبلديات الوطن منذ عام 2019 وأن "مصالح ولاية تيزي وزو لم تنتبه لهذه التعليمة عند إنشاء مؤسسة المساحات الخضراء". وإن كانت هذه الرواية صحيحة فمصالح ولاية بجاية أيضا لم تنبه للتعليمة بما أن المؤسسة البلدية للمساحات الخضراء هناك أنشئت في نفس الفترة، كما نقرأ في ميربلدية يما قوراية على مراقبي مجلس المحاسبة، حيث قال "… ونظرا لنقص الامكانات البشرية جزء كبير من عمليات صيانة المساحات الخضراء تم إسنادها لشركاء خواص… كما تم إنشاء مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري بموجب قرار ولائي رقم 0530 المؤرخ في 20 أفريل 2020… وتم تخصيص اعتمادات مالية قدرها 370 مليون دينار للسماح ببدأ نشاط هذه المؤسسة…".

ومازالت المؤسسة العمومية التي تسير المساحات الخضراء في بجاية عاملة بشكل عادي كما نراه ففي الصور على الصفحة الرسمية للبلدية في فيسبوك. أما رئيس بلدية برج بوعريريج، فرد على مراقبي مجلس المحاسبة بخصوص الوسائل المتوفرة أن بلدية "تنتظر رفع التجميد عن التوظيف ولم يتظرق لوجود أي مؤسسة عمومية أو خاصة أوكلت لها مهمة تسيير المساحات الخضراء. وأغلب مقرات الولايات تتوفر على هذا النوع من المؤسسات العمومية، أبرزها مؤسسة مدينة الجزائر التي تم تأسيسها في 2018، وعمالها حاضرون في مختلف بلديات وشوارع العاصمة. وكذلك الشأن بالنسبة لمدن جيجل ووهران وعنابة…
م. إيوانوغن
م
السلطات المحلية لا تفي بالتزاماتها
م. إيوانوغن