منذ أيام، حذّرت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، من استمرار غلق باب الحوار في قطاع النقل، معتبرة أن هذا الوضع أدى إلى تفاقم الاحتقان وتنامي التجاوزات بحق العمال والنقابيين، في مقدمتها توقيف وفصل ما يقارب 180 موظفًا رغم صدور أحكام قضائية نهائية بالبراءة وقرارات رسمية بإعادة إدماجهم.
وأوضحت حنون أن عدّة مؤسسات مينائية ما تزال ترفض تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باسم الشعب الجزائري، مشيرة إلى وجود 43 عاملًا بمؤسسة ميناء العاصمة، إلى جانب عمال من 11 مؤسسة تابعة لميناء مستغانم، وعدد آخر من مؤسسة ميناء وهران ومؤسسات موانئ أخرى، في أوضاع إدارية معلّقة نتيجة امتناع الإدارات عن الالتزام بقرارات القضاء.
وفي سياق المقارنة، أبرزت حنون نموذج الحوار المفتوح في قطاع الصحة، حيث بادر وزير الصحة الجديد إلى استقبال مختلف الشركاء الاجتماعيين والنقابات وفتح قنوات التفاوض، معتبرة أن هذا السلوك يعكس غيابًا كاملًا للحوار في قطاع النقل الذي يشرف عليه الوزير سعيد سعيود — دون أن تذكره بالاسم — على حد تعبيرها.
وأكدت حنون أن الأزمة لا تقتصر على الفصل التعسفي وعدم تنفيذ الأحكام، بل تمتد إلى التضييق على العمل النقابي، مستعرضة قضية سجن عشرة نقابيين من قطاع النقل بالسكك الحديدية، التابع لوزارة النقل.
وكانت محكمة سيدي أمحمد قد أصدرت سابقًا، شهر جويلية الماضي ، حكمًا بالسجن لمدة عامين وغرامة مالية قدرها مليونا دينار ضد النقابي لونيس سعيدي، الأمين العام للفيدرالية الوطنية لعمال السكك الحديدية التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)، قبل أن يُبرأ لاحقًا في مرحلة الاستئناف. كما كشف حزب العمال في سياق الحديث عن وضع عشرة نقابيين آخرين من الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية رهن الحبس المؤقت، بسبب الإضراب.
وعبّر الحزب عن قلقه من هذا التطور الذي وصفه بـ”الخطير”، خاصة لتزامنه مع اجتماع مجلس الوزراء الذي تقرر فيه رفع الأجر الوطني الأدنى المضمون، معتبرًا أن ذلك يتناقض مع استمرار ملاحقة النشطاء النقابيين. وأوضحت أن من بين الموقوفين الأمين العام الجديد لنقابة عمال السكك الحديدية، أياما قليلة بعد مغادرة الأمين العام الأسبق السجن.
وأشار حزب العمال إلى تنفيذ اعتقالات في عدد من الولايات يوم 26 نوفمبر الماضي، عقب وقفات عمالية عفوية ومحدودة، جاءت للتعبير عن مطالب اجتماعية ومهنية والتنديد بغلق باب الحوار والتفاوض من طرف إدارات المؤسسات.
الإدارة لا تعترف بـ”الأحكام القضائية”
وفي السياق ذاته، ما يزال تسعة موظفين سابقين بمؤسسة ميناء مستغانم يواجهون وضعًا إداريًا معقدًا بسبب رفض الإدارة تنفيذ أحكام قضائية نهائية تقضي بإعادتهم إلى العمل وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية. وكان آخر محضر تنفيذ صادر عن محكمة مستغانم بتاريخ 2 جوان 2025 قد أثبت امتناع المؤسسة عن تنفيذ قرار إعادة إدماج أحد الموظفين رغم توجيه إعذارات رسمية واستنفاد جميع الإجراءات القانونية، وهي الحالة التي تكررت مع ثمانية موظفين آخرين خلال السنة الجارية.
وأكد المتضررون تعرضهم لفصل تعسفي دون احترام الإجراءات القانونية، وهو ما ثبته القضاء بأحكام نهائية لصالحهم، غير أن الإدارة تجاهلت تلك القرارات ولم تمتثل لأعوان التنفيذ، في مخالفة صريحة للمادة 601 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تلزم الجهات العمومية بتنفيذ الأحكام فور صدورها.
كما ترفض مؤسسة ميناء وهران، إعادة إدماج المبلغ عن الفساد، والمسؤول السابق للدائرة التجارية، تونسي نورالدين في منصب علمه، رغم حصوله على أحكام قضائية لصالح تبرأه وتطلب إعادة دمجه، بعد معركة قضائية طويلة ومعقدة انتهت بتنصيفه.
ويطالب العمال المفصولون السلطات الوصية، وعلى رأسها وزارة النقل والجهات القضائية المختصة، بالتدخل العاجل لضمان احترام القانون وإنصافهم، مؤكدين أن الخيارات المتبقية أمامهم تتمثل في التصعيد القانوني والاحتجاجات السلمية في حال استمرار تجاهل حقوقهم المشروعة.
وتعكس هذه القضايا مجتمعة أزمة حقيقية في الحوار الاجتماعي داخل قطاع النقل، لم تعالج لغاية الأن من طرف وزير النقل الحالي ، وتطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام المؤسسات العمومية بتطبيق الأحكام القضائية واحترام الحريات النقابية التي يكفلها القانون.