في سياق إقليمي شديد الحساسية، أثارت وكالة “سبوتنيك” الروسية جدلاً، لا يقل إثارة عن جدل "بلغيث-سكاي نيوز" الإماراتية، بعد نشرها خبرًا مفاده أن : "موريتانيا أغلقت حدودها مع الجزائر"، وهو ما لم يرد في أي بيان رسمي صادر عن الجمهورية الموريتانية، بأي شكل من الأشكال.
فالجيش الموريتاني اكتفى بالإعلان عن تصنيف منطقة بريكة شمال شرقي البلاد، على الحدود مع الجزائر، “منطقة مغلقة” يُحظر فيها تواجد المدنيين وممارسة الأنشطة التجارية، وذلك “لأسباب أمنية تتعلق بالتهريب والأنشطة غير القانونية”، دون أي إشارة إلى إغلاق رسمي للحدود أو إلى الجزائر كدولة.
وكالة “سبوتنيك” تنقل عن مصادر مغربية؟
اللافت في تغطية “سبوتنيك” هو استعانتها بمصادر ثانوية، غير موريتانية ولا رسمية، أغلبها وسائل إعلام مغربية، في تفسير البيان الموريتاني، وهو ما أضفى على الخبر صبغة سياسية قد لا تتوافق مع المعطيات الميدانية.
فقد تبنت الوكالة الروسية صيغة عُنوانية تُوحي بتوتر دبلوماسي مُباشر بين نواكشوط والجزائر، رغم أن الجيش الموريتاني اكتفى بإجراء فني–أمني يندرج ضمن صلاحياته في حماية الأراضي الوطنية من الأنشطة غير النظامية.
تحريف أم تصعيد متعمد؟
في هذا السياق، يُطرح تساؤل مشروع: هل وقعت “سبوتنيك” في فخ النقل غير الدقيق، أم أنها اعتمدت خطابًا موجّهًا لخدمة رسائل معينة في لحظة سياسية حرجة؟ خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها الوكالة الروسية بإعادة تدوير محتوى إعلامي مغاربي بطابع دعائي.
ففي الوقت الذي تتحاشى فيه نواكشوط التصعيد مع جيرانها، وتصر على تبني خطاب الحياد الإيجابي والتوازن، تتبنى “سبوتنيك” عناوين لافتة قد توحي بوجود خلافات جذرية أو مواقف عدائية بين الجزائر وموريتانيا، ما يضع تغطيتها في خانة التأويل السياسي الموجه أكثر من كونه نقلًا صحفيًا بريئًا.
هل تغير موسكو بوصلتها المغاربية؟
تأتي هذه التغطية في وقت تشهد فيه العلاقات الجزائرية–الروسية نوعًا من البرود الدبلوماسي، تُرجم بغياب الجزائر عن احتفالات موسكو بذكرى النصر على النازية، وتزامنًا مع لقاءات جزائرية–غربية متكررة، من بينها لقاء وزير الخارجية الجزائري بنظيره الأوكراني في بروكسل، وتصريحات السفير الجزائري لدى واشنطن ، صبري بوقادوم، حول أولوية التعاون العسكري مع أمريكا في 2025.
بالمقابل، يُلاحظ تقارب بين موسكو وأطراف إقليمية لا تُصنف ضمن حلفاء الجزائر، مثل قائد شرق ليبيا المشير خليفة حفتر، وقادة الانقلابات العسكرية في دول الساحل، وهو ما يُعيد طرح الأسئلة حول توجهات السياسة الروسية الجديدة في شمال إفريقيا.
في حين يبقى قرار موريتانيا إغلاق منطقة حدودية لأسباب أمنية إجراء سيادي داخلي، لا يستهدف الجزائر، ولم يتضمن في بيانه الرسمي أي صيغة عدائية.
أما تحويل هذا القرار إلى خبر عن “إغلاق للحدود مع الجزائر” عبر وكالة محسوبة على دولة كبرى، وبالاستناد إلى مصادر إعلامية مغربية، كونها أحد أطراف النزاع في المنطقة ، فهو أمر يثير الريبة أكثر مما ينقل الحقيقة.
ومن شأن الخطاب الإعلامي الذي يصدر من منصات دولية ذات حسابات سياسية مُتشابكة أن يزيد المنطقة هشاشة يومًا بعد يوم.