وسط عودة تدريجية للمسار الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا، تتسارع مؤشرات انفراج رسمي بين البلدين خلال الأسابيع القادمة، مع إعلان زيارة مرتقبة لوزير الداخلية الفرنسي إلى الجزائر، وتأكيد لقاء منتظر بين الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة مجموعة العشرين بجنوب إفريقيا. وتزامن ذلك مع الإفراج عن الكاتب بوعلام صنصال، في خطوة فسّرها مراقبون باعتبارها جزءاً من سياق التهدئة السياسية بين الجانبين.
في هذا المناخ، تبرز مؤشرات جديدة حول تقدم المفاوضات بين الجزائر ومجموعة “سياما سيجام” الفرنسية لإتمام اتفاق يتعلق بتسيير وتطوير منشآت ميناء وهران، مع حديث عن احتمال الإعلان الرسمي قبل سبتمبر المقبل، وربما في فيفري، وفق المسار الزمني المتداول. وتأتي هذه التطورات بالتوازي مع التأكيد الرسمي على تخلي الجزائر عن مشروع ميناء الحمدانية بولاية تيبازة، الذي كان يُعدّ أحد أهم مكونات التعاون البحري مع الصين ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
مستجدات ميدانية في وهران تعزّز سيناريو الاتفاق
تعززت المؤشرات حول انتقال الاهتمام نحو ميناء وهران بعد نشر الصفحة الرسمية للمؤسسة المينائية تفاصيل زيارة ميدانية لوالي الولاية، شملت متابعة مشروع ربط رصيف “السنغال” بشبكة السكة الحديدية على مسافة 500 متر. وأفادت مصالح الولاية بأن نسبة تقدم الأشغال بلغت 80%، ما يجعل الرصيف مرشحاً للاندماج في شبكة نقل أسرع بين الميناء ومحيطه الصناعي.
وخلال الزيارة، قدّم مدير ميناء وهران تصوراً حول مشروع عصرنة الميناء، وذلك في إطار برنامج وزارة الداخلية والنقل لتحديث البنية التحتية للموانئ التجارية. كما أعلنت المؤسسة استلام خمس آليات جديدة من نوع ” كافالي جاربر” من شركة “صاني” العالمية، بينها: ثلاث آليات بقدرة رفع “3+1” و آليتان بقدرة “1+1”، بهدف رفع مردودية المناولة وتقليص مدة معالجة الحاويات وتحسين تنافسية الخدمات اللوجستية.
وتؤكد إدارة الميناء أن هذا الاستثمار الجديد يدخل ضمن مخطط يرتكز على تحديث المنشآت، رقمنة العمليات، وتعزيز وسائل المناولة، بما يدعم مكانة وهران كقطب لوجستي وطني وإقليمي.
تخلي رسمي عن مشروع الحمدانية لصالح توجه جديد ؟
يتزامن هذا الحرك الميداني في وهران مع تصريحات رسمية سابقة من مدير “سيربور”، عبد الكريم رزال، أكد فيها أن الجزائر تخلت عن مشروع ميناء الحمدانية. وأوضح أن الاستراتيجية الحالية تتجه نحو بومرداس، مع دراسة مواقع محتملة مثل دلس أو كاب جنات، باعتبارها مناطق قادرة على استيعاب مشروع ميناء جديد.
وسبق هذا التأكيد تقرير لصحيفة لوبينيون الفرنسية، أوضح أن أسباب التخلي تعود إلى الارتفاع الكبير في التكلفة (3.3 – 5 مليارات دولار) وتضخم مالي رافق المشروع منذ عهد بوتفليقة.
الاعتماد على قرض صيني من بنك “أكسيم”، وتوجه السلطات نحو تطوير الموانئ القائمة بدل بناء مرفأ جديد من الصفر.
وكان مشروع الحمدانية جزءاً من خطة صينية واسعة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، عبر شركة مشتركة بنسبة 51% للجزائر و49% للصين، على مساحة 3,100 هكتار وعمق يفوق 20 متراً، مع قدرة استيعاب 6.5 ملايين حاوية سنوياً.
تحول في خارطة النفوذ البحري بين الصين وفرنسا
يعد التخلي عن ميناء الحمدانية، الذي كانت الصين تراهن عليه كأكبر منصة بحرية لها في غرب المتوسط، خطوة مؤثرة في علاقة الجزائر بمبادرة “الحزام والطريق”. وفي المقابل، يُعد التقدم الملحوظ في ميناء وهران، إلى جانب المفاوضات المتقدمة مع “سياما سيجام”، مؤشراً على تحول واضح نحو تعزيز الشراكة البحرية مع فرنسا.
ويأتي هذا التحول في سياق إعادة تقييم شامل للبنية المينائية، مع إطلاق مشاريع موازية في جنجن، الغزوات، وعنابة، إضافة إلى تحسين عمق الأرصفة عبر عمليات جرف جديدة.
و تعكس التطورات الأخيرة انتقال الجزائر إلى مقاربة جديدة في إدارة موانئها، تقوم على تحديث المنشآت القائمة وتنويع الشركاء، مع تقدم فرنسي في ميناء وهران، وتوقف رسمي لمشروع الحمدانية الذي كان محور التعاون الصيني في البحر المتوسط. وتأتي هذه التحولات في وقت يعرف انفراجاً سياسياً بين الجزائر وفرنسا، ما يعزز احتمالات إتمام اتفاق ميناء وهران في القريب.