تعودت العلاقات بين الجزائر وفرنسا على أزمات ظرفية تمس بهدوء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، قبل أن تعود لمجراها الطبيعي، غير أن الأزمة الأخيرة حملت مؤشرات غير مسبوقة لدخول فصل معقد وغير مسبوق من التأزم، قد تهدد أسس العلاقات. حيث أطلقت الجزائر "أخر تحذير" لباريس، بعد توجيه تهم تتعلق بـ "تورطها في ملفات أمنية واستخباراتية " لضرب استقرار الجزائر.
، و قررت الجزائر استدعاء سفير باريس لديها ستيفان روماتي، للتنديد بما وصفته على أنه "ممارسات مزعزعة للاستقرار تقف ورائها المخابرات الفرنسية".
وفي ظل هذه التطورات ، ارتفعت أصوات من حزب ونواب اليمين المتطرف داخل البرلمان الفرنسي وبالبرلمان الأوروبي، تدعو إلى ضرورة وقف "الدعم الفرنسي المخصص للجزائر" ، والتلميح بتوظيف أوراق سبق وأن وظفتها فرنسا ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.
أين هاجم الكاتب والفيلسوف الفرنسي، والمقرب من دوائر اليمين المتطرف، باسكال بروكنر ، في حوار له مع يومية "ليكبرس" ، السلطات الجزائرية التي وصفها "زمرة الحيوانات المفترسة"، في تفاعله مع اعتقالها للكاتب بوعلام صنصال مقترحاً "داعيا الى استدعاء السفير الجزائري لاصدار انذار نهائي و اتخاذا إجراءات تتعلق بـ"المكاسب غير المشروعة"، في إشارة إلى مصادرة أملاك شخصيات جزائرية .
وجرت العادة أن يستثمر عدد من رموز الدولة الجزائرية بفرنسا ، على غرار استثمارات المدير العام السابق للأمن الوطني، فريد بن شيخ، واستقرار وزراء بها، على غرار وزير المجاهدين الأسبق شريف عباس، ووزير الصناعة، الفار، عبد السلام بوشوارب ، بباريس، و عدد من أبناء تلك الرموز السياسية منها والأمنية.
كما دعت النائبة الأوروبية الفرنسية سارة نافو من حزب "روكونكات"، لشبكة "أر أم سي" إلى "وقف المساعدات الفرنسية للجزائر" قائلة أن " الحكومة الفرنسية منحت الجزائر 800 مليون يورو كمساعدات للتنمية، عند إثارتها لملف عجز الميزانية الفرنسية وما أسمته بالإنفاق العام غير الضروري."، قررت الحكومة الجزائرية رفع دعوى قضائية ضدها.
وهو التصريح الذي دفع الحكومة الجزائرية لمتابعتها قضائيا، اين قالت وكالة الأنباء الجزائرية، إن "الدولة الجزائرية أودعت شكوى أمام القضاء بباريس ضد النائبة في البرلمان الأوروبي سارة كنافو من حزب روكونكات".
وأضافت أن النائبة الأوروبية الفرنسية كنافو هي "رفيقة اليميني المتطرف إريك زمور المدان عدة مرات بتهمة الكراهية العنصرية والمعروف بمواقفه المعادية للهجرة وللجزائر على وجه الخصوص".
وفي أعقاب هذه التطورات غير المسبوقة، وحدة الإتهامات المتبادلة، قالت 3 صحف جزائرية، إحداها حكومية (يومية المجاهد) ناطقة بالفرنسية، إن "مسؤولي الخارجية نقلوا لباريس عبر سفيرها آخر تحذير، والجزائر ستقوم بما هو ضروري لحماية سيادتها أمام الممارسات العدائية".
وذهب متابعون للوضع في تحليلاتهم عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى أن " فرنسا تريد إعادة بعث نشاط الإرهاب" تزامناً مع اتملاك الجزائر أوراقا اقتصادية وتجارية يمكن استخدامها ضد باريس "حتى تتوقف عن استفزازها"، دون اللجوء إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل
واعتبر محللون سياسيون أن العلاقات بين البلدين تمرّ بمرحلة "أزمة ربما غير مسبوقة، وستستمر في وضع التأزم الشديد لحين ظهور مبادرات من فرنسا التي تعاني أزمة سياسية داخلية"، مع استبعاد أن تقطع الجزائر العلاقات بشكل نهائي، لوجود جالية جزائرية كبيرة بفرنسا ومصالح أخرى للبلدين.
ولا تكاد تتحسن العلاقات بين الجزائر وفرنسا حتى تعود سريعا إلى التأزم، لا سيما على خلفية الملفات المرتبطة بتداعيات استعمار فرنسا للجزائر لنحو 132 سنة بين عامي 1830 و1962، إذ ترفض باريس معالجة تلك الملفات التي تسببت في أوضاع كارثية.
وكشفت تلك الصحف المحلية التي نشرت خبر استدعاء الخارجية الجزائرية للسفير الفرنسي، أنه تمت مواجهته بقائمة من الأعمال "العدائية" التي تقف وراءها المخابرات الفرنسية، "لضرب استقرار الجزائر"، وممارسات أخرى تمس بأساسات العلاقة بين البلدين.
والأسبوع الماضي، بث التلفزيون الرسمي وقناة الجزائر الدولية (رسمية) حديثا لشاب يدعى عيساوي محمد الأمين (35 سنة)، وهو عنصر سابق في تنظيم داعش بالعراق وسوريا، قال فيه إن " ضابط مخابرات فرنسي يشغل منصب السكرتير الأول للسفارة الفرنسية أراد تجنيده في مخطط "لزعزعة استقرار الجزائر".
وقال الشاب، الذي تنقل إلى الشرق الأوسط من إسبانيا وعبر فرنسا سنة 2017، إن "الضابط طلب منه مراقبة المتطرفين بالجزائر العاصمة واستمالتهم ومراقبة نقاط انتشار الشرطة وكاميرات المراقبة، كما أراد إرساله إلى النيجر".
ومن بين التصرفات المريبة التي تعتقد الجزائر أن للمخابرات الفرنسية يدا فيها، محاولة إدخال 21 قطعة سلاح وذخيرة، عبر سفينة قدمت من ميناء مرسيليا الفرنسي في أوت الماضي، وتم اعتراضها بميناء بجاية (شرق)، وفق الإعلام الجزائري.
وتضم قائمة التهم أيضا عدم تعاون السلطات الفرنسية مع نظيرتها الجزائرية في ملف أعضاء حركتي "ماك" (حركة انفصال القبائل) و"رشاد"، اللتين صنفهما القضاء الجزائري عام 2021 تنظيمين إرهابيين.
إضافة إلى هجمات إعلامية تستهدف الجزائر وتاريخها، عبر مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، ومحاولة التدخل في عمل القضاء الجزائري عقب توقيف الكاتب الفرنكو-جزائري بوعلام صنصال الشهر الماضي، بعد إدلائه بتصريحات تمس بالوحدة الترابية للبلاد.
وترى الجزائر أن هذه التصرفات "تتعدى الحدود وغير مقبولة وتعد مساسا غير مسموح بالكرامة وبالمبادئ الأساسية للعلاقات الثنائية، وسيكون لها تبعات".
فيما جاء رد باريس على الاتهامات الجزائرية سريعا على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، حين قال لإذاعة "فرانس أنثير" إن الاتهامات الجزائرية "لا أساس لها ونأسف على ذلك"، مفيدا بأنه اتصل بسفير بلاده لدى الجزائر وعبَّر له عن دعمه.