B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

من نكسة البريكس إلى اختبار 30 أكتوبر: هل تدخل رواية “روسيا الصديقة” أرشيف الدبلوماسية؟

Par سعيد بودور
25 أكتوبر 2025
روسيا الأمس ليست نفسها اليوم.

مقال رأي: سعيد بودور

تشهد العلاقات الجزائرية-الروسية اختبارًا حقيقيًا قد يبدد سردية “الصديق الروسي”. في 30 أكتوبر، يصوّت مجلس الأمن على تمديد بعثة "مينورسو" بالصحراء الغربية، تحت رئاسة روسيا ووسط عضوية الجزائر في المجلس. تحركات دبلوماسية جزائرية ورسائل من البوليساريو تراهن على دعم موسكو، في وقت تضغط فيه فرنسا والإمارات لتمرير قرار يدعم المقترح المغربي. بالمقابل، واشنطن – حاملة القلم في ملف الصحراء – تدعم الحكم الذاتي، وتستفيد من تقارب جزائري لافت عسكريًا واقتصاديًا، خاصة في قطاع الطاقة. كل هذا يطرح السؤال: هل لا تزال موسكو تقف في صف الجزائر، أم أن المصالح تغيّرت؟

أولًا، موسكو خرجت من حيادها الضبابي. تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف الأخير حول مبادرة الحكم الذاتي إذا حصل توافق، مؤشر غير مسبوق لتغير المواقف الرمادية السابقة. روسيا، وسط توازنات مجلس الأمن، لن تعرقل تمديد "المينورسو" وفق الشروط الأمريكية-الفرنسية. هذا يعني ضمنيًا التخلي عن مطلب الاستفتاء، في انتظار تأكيد العكس خلال تصويت مجلس الأمن نهاية أكتوبر الجاري.

ثانيًا، الساحل الإفريقي بات ساحة نفوذ روسي بعد فراغ تركته فرنسا، خصوصًا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تمددت موسكو عبر فاغنر وأمنيين. الجزائر، التي تعتبر الساحل مجالها الحيوي، اصطدمت بهذا التمدد. روسيا لم تعد تنسق مع الجزائر كما في السابق، بل تبني نفوذًا مستقلًا، يدعم سلطات عسكرية لا تشاطر الجزائر رؤيتها. التباين أعمق في ليبيا، حيث تدعم موسكو حفتر عسكريًا مقابل دعم الجزائر لحلول سياسية شاملة.

الجزائر اختارت واشنطن

ثالثًا، الجزائر فتحت باب التعاون العسكري أمام الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق. تصريحات صبري بوقادوم وسلسلة الاتفاقيات مع البنتاغون، إلى جانب دخول شيفرون وإكسون موبيل قطاع الطاقة الجزائري، توحي بأن الجزائر تراهن على توازن متعدد الأقطاب، لكنها تقرّب خصم موسكو الأول. روسيا تراقب هذا التموضع بحذر، وترى أن الجزائر بدأت تميل لتعاون عملي مع الغرب دون أن تقطع فعليًا مع الشرق، ما يجعلها شريكًا رماديًا أكثر من كونها حليفًا.

رابعًا، الجزائر حلّت مؤقتًا مكان روسيا كمورّد أول للغاز نحو إيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا بعد العقوبات على موسكو. من وجهة نظر روسية، هذا تحرك مفهوم لكنه لا يخلو من التنافس. كما أن الجزائر لم تنل دعم روسيا في ملف الانضمام إلى "بريكس+"، رغم كونها مرشحًا قويًا بدعم صيني-برازيلي. روسيا فضّلت الإمارات ومصر والسعودية، وهي رسالة واضحة.

الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، الذي يلهم بعض تيارات الحكم في موسكو، على رأسها فلاديمير بوتين تحديداً، تحدث عن ضرورة حلف مع العالم الإسلامي ضمن “محور الجنوب”، شرق أوسطي أو مغاربي شمال إفريقي، لكنه أوضح بواقعية: "لن نحارب من أجل العرب". روسيا تتصرف اليوم وفق مصالح مباشرة. هي ليست في وارد دعم الجزائر دبلوماسيًا في ملفات كالصحـراء أو غزة إذا لم يصب ذلك في مصالحها الأوسع. الجزائر، من جانبها، لم تعد تنتمي إلى محور واحد، لكنها تدفع ثمن حياد لا يُكافَأ. في ظل برود روسي وتذبذب أمريكي، قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة تعريف تحالفاتها، لا فقط توزيعها.