استدعت رسمياً محكمة جنايات الدار البيضاء التابع لمجلس قضاء الجزائر العاصمة، المبلغ عن الفساد تونسي نورالدين ، للمثول أمامها كشاهد في جلسة محاكمة المدعو كمال سيخي الملقب بـ"البوشي"، في ملف حجز 701 كلغ من المخدرات الصلبة من نوع الكوكايين.
وفي هذا السدد طالب نورالدين تونسي، بتوفير حماية أمنية له ولعائلته قبيل مثوله كشاهد رئيسي في قضية تهريب 701 كلغ من الكوكايين التي هزّت الرأي العام الجزائري سنة 2018، مؤكدًا في بث مباشر بثّه عبر صفحته الرسمية أن حياته "أصبحت في خطر بسبب ما يحمله من شهادات ووثائق تدين شخصيات نافذة وشبكات منظمة".
ويتأهب القضاء الجزائري لفتح واحدة من أكبر قضايا الجريمة المنظمة، بعد أن برمجت محكمة الجنايات بالدار البيضاء جلسة محاكمة المتهم كمال شيخي المعروف بـ”كمال البوشي” يوم 15 جوان 2025، وهي القضية التي يعود أصلها إلى شحنة ضخمة من الكوكايين قُدّرت بـ701 كلغ حُجزت بميناء وهران في ماي 2018.
ويكشف تونسي، وهو المسؤول السابق للدائرة التجارية بمؤسسة ميناء وهران، أنه بلّغ رسميًا عن نشاط مشبوه في الميناء، وتم سىماعه في محاضر أمنية في سنة 2017، قبل ان يوثق ذلك في فيديو بتاريخ 08 ماي 2018، خوفاً مما أسماه ب"الغدر" ، أي 21 يومًا قبل حجز كمية الكوكايين الضخمة في وهران في 29 ماي 2018. ويؤكد أن تحركاته تلك كانت بداية لمسار طويل من المضايقات، كما بلغ تونسي عن فساد رجال دولة نافذين أنذاك، في إشارة لعلي حداد وقضية سرقة اختفاء وثائق من ملف استيراد الحبوب وتكبيد الخزينة العمومية لـ29 مليون دولار، وفساد أخر مرتبط بميناء مستغانم ، نتج عنها جملة مضايقات منها اختطافه من وهران رفقة الصحفي سعيد بودور بتاريخ 1 جوان 2018، في عملية أمنية، تمت بأمر من المدير العام الأسبق للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل.
ويُواجه نورالدين تونسي منذ ذلك الحين سلسلة من الملاحقات، فقد اعتُقل وسُجن وتعرض لفصل تعسفي من عمله، إضافة إلى سحب جواز سفره دون أي مبرر قانوني ، وهي الوضعية التي لا تزال مستمرة إلى اليوم تحت غطاء ما وُصف بـ”الأسباب الإدارية”. كما تعرّضت عائلته للمضايقة، حيث نجا ابنه من "محاولة اغتيال" إثر تعرضه لدهس بسيارة مجهولة.
ويُحذّر تونسي من مغبة تجاهل طلبه الحماية، خاصة بعد استدعائه كشاهد في ملف جنائي ضخم يتعلّق بقضية كوكايين وهران، المتابع بها المدعو كمال شيخي ومن معه بتهم تتعلق بتسيير وتمويل جماعة إجرامية عبر الحدود، متورطة في جرائم تهريب وتبييض أموال واستيراد لحوم ومعدات غذائية بطرق غير مشروعة. ويتضمن الملف أسماء شركات ومسيرين وفاعلين اقتصاديين يُشتبه في تورطهم في غسل الأموال وتحويل عائدات غير قانونية إلى عقارات وممتلكات داخل الوطن.
ويتهم تونسي أطرافًا نافذة، بالوقوف وراء تلفيق قضايا كيدية ضده، كانت أولها القضية التي سُجن بسببها سنة كاملة قبل الإفراج عنه في مارس 2024. وخاضع عدة إضرابات عن الطعام بسجني وهران والعاصمة نقلى على إثرها للمستشفى عدة مرات، كما واصل الإضراب عن الطعام في منزله. ويعتبر تونسي أن استهدافه كان ممنهجًا بهدف إسكات صوته بعد أن كشف تجاوزات خطيرة داخل ميناء وهران وشبكات متغلغلة في مؤسسات اقتصادية وأمنية.
ويستند في تصريحاته إلى وثائق رسمية، منها محضر سماعه كشاهد أمام قاضي التحقيق بتاريخ 29 أفريل 2020، إضافة إلى مراسلة رسمية وجهها إلى وزير العدل الأسبق بلقاسم زغماتي يطلب فيها الحماية طبقًا للقانون. ويفيد أن السلطات القضائية فتحت حينها تحقيقًا جزئيًا وتم الاستماع إليه من طرف النائب العام المساعد لدى مجلس قضاء وهران، دون أن تتخذ إجراءات ملموسة لحمايته فعليًا.
ولقي نضال التونسي نورالدين كمبلغ عن الفساد، وحائز على جائزة علي باي بودوخة، صدى دوليًا، حيث زارته المقررة الأممية الخاصة بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، وأدرجت حالته ضمن تقارير حقوقية رفعت إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وكان خلال فترة سجنه قد دخل في عدة إضرابات عن الطعام احتجاجًا على ظروف اعتقاله وغياب الضمانات القانونية.
ويُؤكد تونسي ، في رسالته التي بثها أمس، أن التبليغ عن الفساد لا يزال محفوفًا بالمخاطر، وأن المبلّغين لا يُحمون بل يُعاقبون، رغم وجود قوانين في صالحهم. ويعتبر أن ملف كمال البوشي وحده كان كافيًا لإحداث زلزال داخل المنظومة لو توفرت الإرادة.
وألحَّ المبلغ عن الفساد ومعتقل الرأي السابق، تونسي نورالدين، على شخص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بصفته وزيرًا للدفاع، بالتدخل العاجل لتوفير الحماية ، خوفاً من "الانتقام والمضايقات" ، مؤكدًا أن ما يملكه من معلومات لا يخدم إلا مصلحة الجزائر، وأنه مستعد لأداء واجبه أمام القضاء رغم كل التهديدات.
يذكر أن كمال شيخي الملقب بـ"البوشي" توبع، وفق ما أعلنه وزير العدل الأسبق الطيب لوح، بثلاث ملفات ثقيلة: الأولى تتعلق بشحنة الكوكايين، والثانية بالاستثمار غير القانوني في سوق العقارات، والثالثة بتبييض رؤوس الأموال.
س.أ