تنطلق إجراءات تحضير الموسم القادم للبطولة المحترفة لكرة القدم يوم الفاتح جويلية المقبل. وهو الموعد الذي حددته الرابطة لبداية سيران مفعول العقود الجديدة للاعبين والمدربين والمسيرين. ا
وذكرت الرابطة في بيانها الأخير (الخميس 05 جوان) كل النوادي المحترفة، أن "العقود غير المطابقة للنموذج المعتمد لن يتم المصادقة عليها، وذلك دون الإخلال بالإجراءات الردعية التي ستُتّخذ ضد الأندية المخالفة". ا
كما ذكر البيان الأندية المحترفة بضرورة تقديم ميزانية تقديرية للموسم 2025/2026، مصادق عليها ومؤشَّر عليها من طرف مالك النادي، قبل تاريخ 30 جوان 2025. هل هي بداية إضفاء الشفافية على مسار الأموال المتداولة في سوق اللاعبين ونشاط كرة القدم بصفة عامة؟
نظريا، نعم. نموذج العقود الجديدة الذي تبنته ال "فاف" أغلق كل الأبواب أمام إمكانية دفع رواتب اللاعبين ومنحهم المختلفة ب"الشكارة" التي إشتهرت أكثر في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية. بينما أغلق الباب أمام إمكانية دفع رواتب ومنح غير مصرح بها، بما أن النموذج الجديد يحدد تركيبة رواتب اللاعبين بدأ بالراتب السنوي إلى الراتب الشهري والمنح وقيمة كل مكون من هذه التركيبة: فمنحة التوقيع مثلا محددة ب 20 بالمائة من الراتب السنوي، والراتب الشهري الخاضع للضريبة على الدخل الإجمالي وإشتراكات الضمان الاجتماعي، حدد ب 300 ألف دينار يقتطع من الراتب السنوي. وباقي هذا الأخير يدفع على شطرين، الأول كمنحة في نهاية مرحلة الذهاب والثاني في نهاية الموسم الكروي.
كما تم تحديد سلم المنح المتعلقة بالمردودية ونتائج الفريق في المنافسات الوطنية والدولية، بالتفصيل بناء على عدد الدقائق التي لعبها اللاعب والنتيجة المحققة في آخر الموسم (السقوط، الفوز بالألقاب...) وكذا النتائج المحققة كل أسبوع داخل وخارج الديار... وتشترط الرابطة المحترفة لكرة القدم في النظام الداخلي للبطولة المحترفة، أن تدفع كل هذه المبالغ عن طريق الحسابات البنكية أو البريدية، وتمنع أي دفع نقدي للرواتب والمنح. وينص نموذج العقد الجديد أيضا على "توفير الأكل وإقامة مريحة للاعب في شقة لائقة لا يتعدى عدد اللاعبين فيها 03 على الأكثر إذا كان اللاعب أعزب أو المساهمة بنصف مبلغ كراء شقة مؤثثة للمتزوجين". ا
إلى هنا كل شيئ محسوب ولا يمكن دفع أي سنتيم لأي لاعب خارج المراقبة وخارج عقده، لكن كرة القدم في الجزائر ليست ككل الرياضات والرقابة ليست من نقاط قوة الاقتصاد الجزائري الذي لا يمكن أن نعزل عنه الشركات الرياضية.
النوادي المحترفة مسؤولة أم ضحية في اللعبة
الجميع في الجزائر يتحدث عن الأجور الخيالية للاعبين، وهناك من يؤيد وينادي بجلب نجوم السوق الكروية من أجل الفوز بالألقاب، خاصة القارية ومقارعة الأهلي والترجي وتيبي مزامبي... وهناك من يرى أن النوادي الجزائرية ما دامت مرتبطة بالشركات العمومية فأموال الشعب لها أولوياتها... وتعد صفقة جلب اللاعب بلايلي إلى مولودية العاصمة الأكثر إثارة للجدل في هذا الإطار، وحتى صحيفة لوموند الفرنسية إهتمت بالملف عبر مقال تحت عنوان "المزايدة في رواتب الكرة الجزائرية" مرفوقا بصورة بلايلي بقميص نادي فرنسي.
وحتى توقف الجدل، سارعت إدارة مولودية الجزائر للتأكيد أن راتب بلايلي لا تدفعه من أموال سوناطراك، بل تكفلت به شركة أجنبية. وفتح هذا التصريح المجال لاكتشاف ممارسة أخرى دخلت سوق اللاعبين في الجزائر، تتمثل في دفع رواتب اللاعبين عن طريق عقود رعاية أو "سبونسوريغ"، بعدما كانت تدفع ب “الشكارة" في العقود الماضية.
ال"سبونسورينغ" وحقوق الاشهار والرواتب المخفية
وإن كانت مداخيل "سبونسورينغ" وحقوق التصوير والاشهار والرواتب الشهرية... هي مداخيل مفصول فيما بينها بعقود واضحة في البلدان ذات التقاليد العريقة في الرياضة وكرة القدم الاحترافية، فالجزائر التي تبنت الاحتراف في كرة القدم، دون باقي الرياضات، تنفيذا لقرارات ال"فيفا" فقط، لم تر فيها الحكومة بعد الجدوى للإسراع في الافراج عن قانون الاشهار حبيس أدراج مجلس الأمة منذ كان عبد العزيز رحابي وزيرا للاتصال.
أكثر من هذا، تمنح القوانين الجزائرية تخفيضات ضريبية للشركات نظير دعمها للرياضة والثقافة. فهل هناك آلية تسمح للسلطات الضريبية بالتمييز بين دعم الرياضة ودفع قيمة إنتداب بلايلي إلى المولودية أو بودبوز إلى شبيبة القبائل أو مبولحي إلى شباب بلوزداد...؟ ال"تاس" أصدرت في 2021 مثلا، حكما ضد نصر حسين داي يفرض عليها دفع أكثر من ثلاثة ملايير سنتيم تمثل قيمة راتب اللاعب المورتاني محمد دحال، لمدة شهرين زايد عقوبات تصل إلى نفس المبلغ، مع أن نصر حسين داي ليس من النوادي المعروف عنه صرف مبالغ ضخمة في جلب اللاعبين. وغالبا ما نكتشف ثقل كتلة أجور نوادينا عندما نكتشف المبالغ التي تطالب بها الفيفا نظير فسخ عقد لاعب قبل نهايته.
وهناك ممارسة لا تملك ال"فاف" صلاحية مراقبتها أو مكافحتها، تتمثل في دفع رواتب اللاعبين عبر شركات تتولى تسيير خدمات الاتصال لفائدة نادي محترف. وهذا ما تطرقت إليه عدة صحف وطنية وأجنبية في ملف بلايلي وبن عيادة وبايزيد، بالنسبة للمولودية مثلا. وهنا تدخل إشكالية غياب قانون الاشهار، لأن اللاعب الذي يتقاضى 75 ألف أورو شهريا كحقوق إشهارية يفترض أن يظهر يوميا في شاشات التلفزيون وفي تعلق صورته في كل شوارع المدن الجزائرية، وإلا الفيفا تعتبر ذلك رواتب مخفية.