في الجزائر، لا نحتاج إلى مناجم لاستخراج الذهب وربما لا نحتاج حتى لجدل حول قانون المناجم الجديد…عندنا تصريح واحد واعد و كافٍ: رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني ابتسام حملاوي أعلنت أن المجتمع المدني يعيش عصرهُ الذهبي.
أكيد لا مستقبل لا اقتصاد دون حرية المبادرة المدنية الشعبية ، فعلاً والنتائج هُنا مُبهرة فعلاً ، لكن بلون آخر غير الذهب الذي نعرفه والذي تستحقه الجزائر.
ففي هذا العصر ، نال النقابي لونيس سعيدي سنتين سجنًا نافذًا، وصودرت نقابته وكأنها شركة وهمية، و هو لا يزال رهن الاعتقال.
أما نصيرة ديتور، التي قضت عمرها تبحث عن مصير ابنها عميروش ، مصير المفقودين وذاكرة الأمهات، فكان نصيبها “منعًا من العودة” إلى الوطن…وكأن الوطن صار نادٍ خاص يدخل بالبطاقة فقط أو بترخيصٍ مُسبق.
لا أريد العودة لجدل تصريح وزير الاتصال، وصحة رقم " منع 40 فالمئة من الجزائريين من مغادرة البلاد"، فمجرد نقاش حول منع جزائري واحد من التنقل بحرية ، فهذا يُوجعني كثيراً.
ولا لأرقام قوارب الهجرة ، وأعداد أولئك الذين ينتظرون ويترقبون بفارغ الصبر هدوء الأمواج للالتحاق بالضفاف الأخرى، فهذا كذاك يُؤلمني.
لا، لا أريد الوجع ولا الألم لأحد، إنما أُذكِّر فقط بأنّه في مدينة وهران فُصل ثلاثة أساتذة من المربين لأجيال الغد المُشرق المترصّع بالذهب، من عمل والتدريس ، وذلك لأن بعضهم مارس أبسط أشكال الاحتجاج الدستوري: الإضراب، ضمن نقابة “كنابست”.
في بجاية ، سُجن كذلك حُسين مسيس لأنه ثار ضد الفساد في إحدى المؤسسات العمومية بدائرة أميزور، مثلما حدث سابقًا مع المبلِّغ عن الفساد نور الدين تونسي.
هذا أيضًا من بريق الذهب المشرق ، فالعصر الذهبي لا يحب من يعكّر صفو الهدوء المدرسي.
وحتى الحراك المدستر ، تلك المسيرات التي كانت تملأ الشوارع بالأمل، اعتُبرت ضجيجًا يقطع القيلولة، قيلولة ابتسام التي كانت تتأهب لعهد جزائر الذهب ، عندما خرج الجزائريون ضد فساد "العصابة" ونهب "الذهب".
لقد انتصر عصر ذهب حملاوي ، فاختفى الهتاف، وعادت الأرصفة هادئة، إلا من صدى سؤال معلّق: “متى يبدأ فعليًا هذا العصر الذهبي؟”
الجواب بسيط: لقد بدأ منذ أن صار غياب الحرية يُقدَّم كأعلى مراتب الاستقرار، ومنذ أن تحوّل الحلم بدولة المؤسسات إلى ذكرى مؤرقة.
فليُبارك هذا الذهب إذن… ذهبٌ لا يُزيّن الأعناق ولا يُصاغ في الخواتم، بل يُصهر في قوالب الصمت، ويُسكب فوق الذاكرة الجماعية حتى تتجمّد.