B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

كيف تسعى عصب السلطة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية

Par M Iouanoughene
6 أغسطس 2025

مازالت الساحة السياسية الجزائرية تواجه الانسداد، بسبب عجز السلطة عن خلق ديناميكية تجعلها تتجاوز الخوف من الحراك الشعبي الذي توقف بفعل السجن والمتابعات القضائية، من جهة. وعجز المعارضة عن إيجاد آليات تمكنها من تجاوز القبضة الأمنية المفروضة على العمل السياسي وتجريمه، من جهة أخرى.

في بداية الأمر كان الغلق السياسي يخص النشطاء غير المنظمين في أحزاب سياسية، لكنهم كسبوا شعبية كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جعلتهم قادرون على تنظيم مسيرات عبر متزامنة عبر عدة ولايات، خارج أي سيطرة للسلطة على نشاطهم. كما وضعت السلطة في رادارها مجموعة من الأحزاب والمنظمات التي كانت ترافق هؤلاء النشطاء وتدافع عن حقهم في التعبير والانخراط في العمل السياسي وتطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

هذه الأحزاب والمنظمات محسوبة كلها على التيار الديمقراطي، ما يجعل السياسة القمعية التي إنتهجتها السلطة تفتقد للمصداقية. الأمر الذي أدى إلى التصعيد الأمني من خلال تعديل قانون العقوبات وإدراج المعارضة السياسية ضمن الأفعال المراقب عليها بموجب المادة 87 مكرر المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

إلى هنا استطاعت السلطة أن تقنع قطاع كبير من الجزائريين، بوجود خطر على استقرار البلاد. ودعمت أغلب الأحزاب والمنظمات الوطنية السياسة الأمنية الجديدة، إلى درجة اختفاء صفة معتقلي الرأي من الخطاب السياسي والاعلامي.

لكن بعد مرور خمس سنوات، لم يتغير شيئا من الوضع الاستثنائي الذي خلقه تعامل السلطة مع المظاهرات الشعبية التي استمرت لأكثر من 200 جمعة. فأصبح الوضع الاستثنائي هو الوضع العادي، حيث لم تكيف السلطة قوانينها مع الدستور الجديد، في جانبه المتعلق بالحريات الفردية والجماعية، وامتد التضييق حتى إلى الأحزاب والمنظمات الموالية للسلطة، مثلما يؤكده رد وزارة الداخلية الأخير على طلب 14 حزب الترخيص بتنظيم مظاهرات تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون للإبادة منذ عدة أشهر.

الداخلية ردت على هذا الطلب بتوجيه أحزاب حمس والنهضة والفجر الجديد وحزب العمال... لتنظيم مظاهراتهم داخل قاعات عمومية، في تصرف يوحي أن الإدارة قد أدرجت في قاموسها عدم جواز تنظيم المسيرات في الشارع والفضاء العمومي، مهما كانت الجهة المبادرة بذلك ومهما كانت طبيعة المطالب والشعارات، متناسية بذلك أن الدستور يعطي المواطن الجزائري الحق في التظاهر بمجرد التصريح بذلك لدى الادارة، دون انتظار ترخيص منها.

لماذا لم تخاطب الداخلية "الأفالان" و"البناء"

نداء المظاهرات التضامنية مع غزة، خرج من اجتماع انعقد في مقر جمعية العلماء المسلمين، بالعاصمة، وحمل توقيع 14 حزبا، منها حزبي الأفالان والبناء. لكن إسمي هذين الحزبين سقطا من رد وزارة الداخلية، دون أن نعلم إن كان ذلك سهوا أم عن قصد. وإذا لم تذكر الداخلية حزبي بن مبارك وبن قرينة عن قصد، فمعناه أن الحزبين سحبا مشاركتهما في المبادرة قبل رد الداخلية.

وفي هذه الحالة نفهم أن تعامل السلطة مع نداء التضامن مع غزة، ليس مجرد رد فعل أملاه الخوف من عدم سيطرة المبادرين على المسيرات في حال الترخيص بتنظيمها، بل لدى السلطة اعتراض على المنظمين أنفسهم. والملاحظ على قائمة الأحزاب ال14 أنها لا تحتوي على إسم الأرندي رغم كون هذا الحزب ولد حاكما سنة 97 ولم يغادر الحكم يوما. كما لم تضم القائمة إسم الأفافاس، رغم حصوله على الترخيص لكل نشاطاته منذ فترة... ما يؤكد وجود حراك خفي بين العصب الحاكمة، وسط كل هذا التصحير السياسي المفروض في الساحة العلنية.

من بين المؤشرات التي تدل هذا الحراك الخفي كذلك، استمرار الضغوط على منسق الأمدياس، فتحي غراس وزوجته ومجموعة من مناضلي الحزب الذي جمد نشاطه وأغلقت مقراته منذ فترة طويلة. ومقابل هذه الضغوط تواصل مجموعة أخرى من مناضلي واطارات الحزب توجيه أصابع الاتهام لفتحي غراس، في محاولة تبرئة ذمة، قد يكون بوابة لرفع التجميد عن نشاط الأمدياس.

وتبقى الضغوط التي واجهها الأرسيدي ومازال يواجهها، أكبر مؤشر على محاولات إعادة رسم الخارطة السياسية الجارية في الخفاء. وكانت الداخلية قد وجهت عدة إعذارات لقيادة الأرسيدي تمهيدا لتجميد نشاطه بنفس الطريقة التي تمت بها تجميد نشاط الامدياس وحزب العمال الاشتراكي وبنفس الطريقة التي توبع بها حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي الذي كانت تترأسه المحامية زبيدة عسول.

وعلى صعيد آخر واجه الارسيدي حملة إعلامية لالصاق نشاطه بحركة الماك المصنفة في اجتماع للمجلس الأعلى للأمن كمنظمة إرهابية. وبعدما حصل مؤتمر الحزب الأخير على تأشير وزارة الداخلية، قولت أغلب طلبات الحزب لتنظيم نشاطات في قاعات عمومية، بالرفض. كما عادت في الفترة الأخيرة حملة تخوين قيادة الأرسيدي، آخرها من صنع الصحفي الجزائري السابق، محمد سيفاوي، الذي دعا صراحة مناضلي الارسيدي للانقلاب على تشكيلة عثمان معزوز.