فاز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المُسبقة التي جرت في 7 سبتمبر 2024، محققا نسبة 84.3% من الأصوات وفق النتائج الرسمية .
وعلى الرغم من هذا الفوز الساحق، المعلن عليه من طرف المحكمة الدستورية، في أرقام مناقضة لتلك الصادرة عن السلطة الوطنية لتنيظم الإنتخابات، شهد العام الأول من عهدته الثانية توترات ملموسة.
فعلى الصعيد الحكومي، لم يعرض الوزير الأول بيان السياسة العامة للحكومة على البرلمان طوال السنة، مما أثار انتقادات حول غياب الشفافية وضعف الأداء.
كما لوحظ تراجع وتيرة اجتماعات مجلس الوزراء؛ إذ عقد تبون نحو عشر اجتماعات وزارية فقط منذ إعادة انتخابه، كان آخرها في 7 جويلية 2025 .
وخلال أحد الاجتماعات في ماي 2025، وجه الرئيس تبون انتقاداً لاذعاًً لبعض أعضاء حكومته بسبب انشغالهم بما وصفه بـ«الفلكلور الإعلامي» بدل التركيز على حل مشاكل المواطنين ميدانيا .
هذا التحذير فهمه كثيرون تمهيدا لتعديل حكومي محتمل، خاصة بعد عودة وجوه مثيرة للجدل مثل الوزير كمال رزيق إلى الحكومة في أبريل 2025 ، لكن تم التمسك بتشكيلة الحكومة.
وقد شهدت الفترة أيضا استمرار التضييق الأمني؛ حيث تواصلت اعتقالات نشطاء ومعارضين، بل حتى وقفات تضامنية مع فلسطين لم تسلم من المنع.
ففي جويلية 2025 فرقت الشرطة تجمعا سلميا نصرةً لغزة في الجزائر العاصمة واعتقلت مشاركين، بينهم نجل أحد زعماء المعارضة.
كما ردت الداخلية على 14 حزبا طالبوا بالترخيص للمسيرة في الشارع، بتنظيمها داخل القاعات، بناءا على أحكام قانون يعود لفترة التسعينبات.
هكذا بدت المفارقة صارخة بين الخطاب الرسمي الجزائري الداعم لفلسطين وإغلاق الساحات العامة أمام أي تعبير شعبي مؤيد .
تشريع قوانين مُثيرة للجدل
وعلى الصعيد التشريعي، أثارت قوانين جديدة جدلا واسعا في الساحة السياسية؛ من أبرزها قانونا المناجم والتعبئة العامة.
فقد صادق البرلمان في منتصف 2025 على قانون مناجم جديد يسمح للمستثمرين الأجانب بامتلاك حتى 80% من المشاريع المنجمية، مما اعتبرته قوى معارضة تفريطا بالسيادة على الثروات الوطنية .
ثلاثة أحزاب رئيسية (التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية ، جيل جديد، حزب العمال) ناشدت الرئيس تبون عدم توقيع القانون، واصفةً إياه بأنه “خصخصة صريحة” لقطاع حيوي .
كذلك أحدث تمرير قانون التعبئة العامة في أبريل 2025 صدمة سياسية، إذ اعتُبر سابقة تاريخية وأثار تساؤلات حول الغرض منه في غياب تهديد مباشر .
هذه الإجراءات عمّقت حالة الجدل السياسي في الجزائر خلال السنة الأولى من العهدة الجديدة.
سياسات اقتصادية وقضايا اجتماعية مثيرة للجدل
شهدت الجبهة الاقتصادية والاجتماعية بدورها سلسلة من الأحداث والقرارات التي ولدت نقاشات ساخنة.
فعلى صعيد السياسة الاقتصادية، برز ملف الاستيراد إلى الواجهة بعد أن فرض وزير التجارة الخارجية كمال رزيق إجراءات تنظيمية مشددة مطلع صيف 2025.
جاءت هذه الإجراءات فجائية وأدت إلى فوضى في الموانئ؛ حيث تراكمت مئات الحاويا.
وتأخرت السفن عن التفريغ، مما أصاب سلاسل التوريد بالشلل في قطاعات تعتمد على المواد المستوردة .
وقد اضطرّت الحكومة للتدخل بشكل عاجل في أوت 2025 لإصدار تعليمات تخفف الأزمة عبر السماح بالإفراج عن البضائع العالقة التي شُحنت قبل تاريخ معين .
وأثارت هذه الأزمة سجالا سياسيا حادا، خصوصا من نواب البرلمان الذين انتقدوا قرارات رزيق واعتبروها ارتجالية أضرّت بالاقتصاد وبسمعة الجزائر لدى الشركاء .
من جهة أخرى، سعى تبون إلى تخفيف الأعباء المالية على المواطنين؛ فقرر رفع المنحة السياحية السنوية لأول مرة منذ سنوات.
ابتداءً من يناير 2025، تمّت زيادة حصة العملة الصعبة لكل مسافر جزائري بالغ إلى 750 يورو (و300 يورو للقُصّر) بعدما كانت سابقا زهيدة .
وقد استقبل الجزائريون هذا القرار بترحيب ممزوج بالتساؤل,
إذ اعتُبر تنفيذا لوعد قطعه الرئيس لتحسين رفاهية المواطنين ، لكنه فتح نقاشا حول كفايته في ظل ارتفاع تكاليف السفر.
في حين أثار موعد دخول هذه المنحة حيز الخدمة جدلا وسخرية.
بعد منح وزير المالية لأربعة مواعيد كلها لم تحترم قبل أن يحمل محافظ بنك الجزائر المسؤولية.
الجزائريون الأكثر وفاة في الطرقات
وعلى صعيد السلامة المرورية، ظلت حوادث الطرق مصدر قلق اجتماعي كبير خلال العام.
فقد سُجلت أرقام صادمة لعام 2024 تجاوزت 3740 وفاة وأكثر من 35 ألف جريح جراء حوادث المرور عبر البلاد ، بارتفاع 15% في عدد الحوادث عن العام السابق .
هذه الإحصاءات جعلت الجزائر في مقدمة الدول عربيا من حيث وفيات الطرق، وأطلقت دعوات لاعتماد إستراتيجية صارمة للحد من هذه الظاهرة القاتلة .
هجرة غير مسبوقة
كما برزت أزمة “قوارب الحرّاقة” كمعضلة اجتماعية متفاقمة.
فقد تصاعدت معدلات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا مع دخول صيف 2025، رغم تشديد الرقابة الساحلية.
ففي أسبوع واحد أواخر ماي، نجح 160 شابا جزائريا في بلوغ السواحل الإسبانية عبر قوارب متهالكة.
بالتزامن مع إحباط خفر السواحل لمحاولات هجرة أخرى وتوقيف مئات المهاجرين الأفارقة داخل التراب الجزائري في نفس الفترة .
وعلى الرغم من القوانين الرادعة (السجن حتى 10 سنوات لمهاجري القوارب والمهربين) ، لم تنخفض وتيرة الظاهرة التي باتت تحصد الأرواح وتحرج السلطات.
الهجرة السرية وارتفاع عدد “الحراقة” شكلا بذلك جرس إنذار إضافيا خلال سنة اتسمت بتعدد الجبهات الاجتماعية المشتعلة.
في حين لقي عدد معتبر من الجزائريين حتغهم بعد انهيار البيوت الهشة في مدينة وهران وغيرها.
فيما توفي عدد منهم في مدرجات ملعب الخامس من جويلية بسبب التسيب.
الهوية والحريات في دائرة النقاش
إلى جانب السياسة والاقتصاد، شهد العام جدلا حول قضايا الهوية والحريات.
إذ أثار قرار الحكومة الجزائرية رفع التحفّظ عن المادة 15 الفقرة 4 من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) نقاشا مجتمعيا محتدما.
هذه المادة تضمن مساواة المرأة بالرجل في حرية التنقل واختيار محل السكن، وكانت الجزائر قد تحفظت عليها لسنوات.
ومع إلغاء التحفّظ بمرسوم رئاسي خلال 2024، اعتبر المدافعون عن حقوق المرأة الخطوة إيجابية باتجاه تحديث المنظومة القانونية,
فيما تخوفت تيارات محافظة من أنها قد تشجع ما وصفته بـ“تمرد المرأة على سلطة الزوج أو الولي” .
واضطرت السلطات إلى التأكيد أن رفع التحفّظ لن يمس بقانون الأسرة الحالي، في محاولة لتهدئة المخاوف .
كذلك استمر النقاش حول الهوية الوطنية في منابر الإعلام وشبكات التواصل.
لاسيما فيما يتعلق بترقية استعمال اللغة الأمازيغية ومكانة اللغة الفرنسية في التعليم والإدارة.
حيث تم سجن الدكتور محمد الأمين بلغيث بعدما وصف الأمازيغية بانها "صناعة صهيو فرنسية".
حرية إعلامية في خبر كان
أما في المشهد الإعلامي، فرغم وجود خطاب رسمي يروّج لخطاب الانفتاح ، بقيت حرية الصحافة والتعبير مقيدة.
فقد استمر حبس صحافيين ونشطاء بتهم مختلفة كمنشورات على الإنترنت، ما أبقى الجزائر تحت مجهر المنظمات الحقوقية الدولية.
كما استمر مضايقة المنظمات النقابية والطلابية، في قطاع التربية والصحة.
حيث وضع قيايدين من نقابة "كنابست" تحت الرقابة القضائية بمسافات بعيدة عن مقر سكانهم فيما فصل زملائهم عن العمل في ولاية وهران.
كما سجن ممثل طلبة كلية الطب في تلمسان ومنع جزائريون من دخلون التراب الوطني.
كما تم سجن ثلاثة مترشحين للانتخابات الرئاسية، وسط استقالة مفاجئة لرئيس المحكمة الدستورية.
وفي الوقت ذاته، حرصت الحكومة على تحسين صورتها لكن وقع ذلك اصطدم بتحذير الرئيس نفسه من الإفراط في الدعاية والتلميع الإعلامي.
وهكذا، بين قرارات اقتصادية جريئة وقوانين مثيرة للجدل وتحديات اجتماعية متصاعدة، أمضت الجزائر عاما عاصفا بالأحداث تحت قيادة تبون في مستهل عهدته الثانية.
سنةٌ حملت وعودا بتحسين الأوضاع، لكنها كشفت أيضا عن عقبات الحاضر وإرث الأزمات، في انتظار ما ستأتي به السنوات المقبلة.