مليار دولار من الأرباح الموزعة في خمس سنوات، تليها نداءات استغاثة لإعادة الرسملة: البنوك الخاصة الجزائرية تمارس لعبة خطيرة تثير التساؤلات حول حوكمتها.
كشفت دراسة أعدتها شركة فينابي كونسيل -Finabi Conseil- أن البنوك الخاصة الجزائرية وزعت ما قيمته 135,19 مليار دينار من الأرباح ما بين 2018 و2023. هذا المبلغ الضخم – ما يعادل مليار دولار – يكشف عن استراتيجية مالية مثيرة للجدل: إثراء المساهمين على حساب متانة المؤسسات.
تصل نسب التوزيع إلى مستويات مقلقة. فترست بنك يوزع 84.1% من أرباحه، و سيتي بنك 74.5%، وبنك البركة 64.4%. تتجاوز هذه النسب المعايير الدولية بكثير وتطرح تساؤلات حول حوكمة هذه المؤسسات. فخلف هذه الأرقام الجذابة، تختبئ حقيقة أقل إشراقًا.
الحلقة المفرغة لإعادة الرسملة
تشير دراسة فينابي كونسيل" إلى مفارقة واضحة: "توزع البنوك أكثر من اللازم وتضعف نفسها، ثم تطلب من مساهميها إعادة الرسملة لسد العجز". على سبيل المثال، اضطر كل من فرنسا بنك- Fransa Bank والبنك العربي- Arab Bank لطلب مساهمات رأسمالية كبيرة رغم الأرباح المعلنة. حتى إي بي سي بنك -ABC Bank، الذي كان في وضع أفضل، أُجبر على إجراء تعديلات للحفاظ على نسبه التنظيمية.
تكشف هذه الآلية هشاشة هيكلية للقطاع، حيث لا تمثل الاحتياطات الداخلية سوى 6,8% من الأداء القطاعي. وفي بعض الحالات الحرجة، تُستنزف هذه الاحتياطات لضمان استمرار التوزيعات. انه تسيير يعطي الأولوية للمظهر قصير المدى على حساب الصلابة بعيدة المدى. الاستراتيجية المتبعة أقرب إلى حيلة محاسبية منها إلى خلق حقيقي للقيمة. إذ تُفرغ البنوك خزائنها من باب لتملأها من باب آخر، ما يولّد تكاليف إضافية ويُضعف قاعدة رسملتها.
بورصة في حالة سبات
بورصة الجزائر بقيت متفرجة على هذه التحركات المالية. فإصدارات السندات التي قامت بها شركات مثل توسيالي -Tosyali- أو ي إل سي -ALC- لم تولّد أي معاملات مهمة. أما السوق الثانوية فتبقى شبه منعدمة، ما يحرم البنوك من مصدر تمويل بديل.
غياب تنويع مصادر التمويل هذا يحاصر القطاع في حلقة مغلقة. المساهمون الحاليون يتحملون وحدهم عبء الرسملات المتكررة، دون إمكانية لتوسيع قاعدة المستثمرين. نموذج يحد من آفاق النمو ويُبقي على تبعية مفرطة للمؤسسين التاريخيين.
تقترح فينابي كونسيل حلولًا عملية: "ممر انضباطي لتوزيع الأرباح، بين 40% و 60%"، مصحوبًا بـ "خطة رأس مال متعددة السنوات تتماشى مع نمو الأصول المرجحة بالمخاطر".". تهدف هذه التوصيات إلى وقف سحب الاحتياطيات وإعطاء الأولوية للتعزيز ("rebuild") قبل العوائد.
ساعة النضج
التشخيص قاطع: "يرسل القطاع رسالة متناقضة: أرباح قياسية من جهة، وعمليات إعادة رسملة ثقيلة من جهة أخرى". يكشف هذا التناقض عن عدم نضج القطاع المصرفي الخاص الذي لا يزال شابًا ولكنه يواجه بالفعل إغراءات التمويل قصير النظر.
سيكون المعيار الحقيقي للنضج "يوم تُوظّف النتائج أولًا في تعزيز المتانة، قبل التفكير في المكاسب السريعة"، كما تختم الدراسة. إنه تغيير نموذجي ضروري لتجنب تكرار هذه المؤسسات للأخطاء التي لوحظت في أماكن أخرى من العالم، حيث أدى السعي المحموم وراء الأرباح الفورية إلى أزمات نظامية.
اخبار عاجلة