يطلّ الدخول المدرسي 2025 بطابع خاص. فخلف الرزنامة وقاعات التدريس، يقف نموذج تربوي كامل قيد التساؤل: القانون الأساسي، البرامج، الكتب المدرسية واللغات في قلب الانتقادات.
اليوم عاد التلاميذ إلى مقاعد الدراسة بعد أربعة أشهر من العطلة. كان الموعد محدداً في البداية ليوم 10 سبتمبر قبل أن تؤجله الوزارة من دون توضيح. قرار أثار ردود فعل، خاصة في الجنوب حيث تحدث أولياء وتربويون عن حرارة خانقة.
لكن بالنسبة للباحثة البيداغوجية مليكة غريفو، يظل النقاش حول الرزنامة ثانوياً: «العطل الطويلة مفيدة، لأنها تمنح الأطفال فرصة للتجدد»، كما تعترف. غير أن الأهم، كما تضيف، يكمن في جانب آخر: «هذه العودة إلى المدارس تنطلق مع قوانين مهنية في قطيعة كاملة مع المعايير الدولية وكتب مدرسية لم تعد تنقل الثقافة».
هنا يتبلور جوهر الأزمة: فالمسألة لا تتعلق بيوم الدخول المدرسي فحسب، بل بالنموذج التربوي برمته.
اهتمام خاص بالطفولة المبكرة
هذه الوضعيات، التي وُصفت بأنها «في قطيعة كلية مع المعايير الدولية»، كانت هدفاً لانتقادات شديدة من السيدة غريفو في حديثها مع موقع "مغرب إيميرجنت". تنصّ المادة 3 من المرسوم 25-54 مثلا، على أن الموظفين المعنيين يمارسون مهامهم وفق المستويات التعليمية التالية: التربية التحضيرية، التعليم الأساسي (ابتدائي + متوسط) والتعليم الثانوي العام والتكنولوجي.
لكن هل هذه التصنيفات مطابقة للمعايير الدولية؟ بالنسبة لغريفو: «التربية التحضيرية غير موجودة في التصنيف الدولي، بل هناك تعليم تحضيري، cours préparatoire (CP)، في سنة واحدة مدمجة في التعليم الابتدائي».
وتميز المتحدثة بين مفهومين إثنين: «طور ما قبل التمدرس، و يهدف إلى التنمية الشاملة للطفل (المعرفية والجسدية)، ويرتكز على اللعب والاكتشاف واستكشاف العالم»، كما توضح مؤلفة كتاب المدرسة الجزائرية من ابن باديس إلى بافلوف. وتضيف: «مرحلة ما قبل التمدرس تهيئ الطفل للحياة وتظل اختيارية».
أما التعليم التحضيري، فهو برنامج تعلم مبكر يركّز على المعارف الأكاديمية من قراءة وكتابة وحساب.
إشكالية أعمار الأطفال
تأسف غريفو لكون قانون التوجيه المدرسي لسنة 2008 حدّد التعليم التحضيري في سن الخامسة، بينما نصوصه التطبيقية وضعته بداية من السن الرابعة، مع منح إجارات استثنائية لأطفال ابتداءً من سن الثالثة ونصف.
وتذكر أمثلة من دول يؤجل فيها التعليم التحضيري إلى سن السابعة (فنلندا، السويد، بلغاريا، سلوفينيا، غينيا، بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، الصين 6 أو 7 سنوات، كوريا الجنوبية)، بينما بلدان أخرى كجنوب إفريقيَا اعتمدت الثامنة كسن للدخول.
وتعلق: «لنتذكر أن النخب الجزائرية مطلع القرن العشرين كان القاسم المشترك بينها: طفولة حرة قبل دخول المدرسة. حيث إلتحق كثير منهم بالدراسة عند سن 8 سنوات أو أكثر». وتستشهد بالراحل البروفيسور عمر أكتوف الذي التحق بالمدرسة في سن ال11 ومع ذلك صار مرجعاً عالمياً.
برامج 2009: إرث مشروع قديم
ترتبط قضية سن الالتحاق بالدراسة مباشرة بانتقاد البرامج البيداغوجية. فالبرنامج المسمى بالجيل الثاني تصفه غريفو بأنه «اختراع شخصين: مدير مكتب هندسة في بلجيكا وموظف في اليونسكو». وتدين «التوافق الحاصل حول التطبيق الميكانيكي لهذا النموذج».
وتؤكد أن هذا البرنامَج يخفي مشروعاً قديماً يعود إلى 1947، صُمّم أصلاً لتشكيل تعليم موحد لأطفال المستعمرات، خصوصاً بلدان إفريقيا. مشروع واجه انتقادات شديدة آنذاك من مفكرين مناهضين للاستعمار وتم رفضه في البرلمان الفرنسي عام 1954.
محو التقاليد الثقافية
تستمر هذه الأسس المثيرة للجدل في الكتب المدرسية. وتقول: «علينا التوجه إذن، نحو جيل جديد من المقررات المدرسية manuels scolaires». في حين تضيف: «لا يوجد نظام تعليمي متطور يعتمد المقررات لتعليم اللغات في سن الطفولة أو الابتدائي. الثقافة تنتقل عبر الكتاب (الأعمال الأدبية، الحكايات، الأشعار)، لا عبر المقررات الرسمية».
وتوضح: «لا يمكن تحفيظ الثقافة كما نحفظ درسا تعليميَا، بل الثقافة نرسخها ونعيشها ونتقاسمها. الطفل لا يحتاج إلى "وسيط تعلم"، فالمقرر المدرسي مجرد أداة سطحية». وتستشهد بعناوين البرنامج الأوروبي، مثل: ملابس الإمبراطور الجديدة، البطة القبيحة (أندرسن)، ليلى والذئب، القط ذو الحذاء (بيرو)، الذئب والجداء السبعة (الأخوان غريم)، الغراب والثعلب (لافونتين).
مقابل ذلك، تقترح المقررات الجزائرية عناوين مرلفة جماعيا بعناوين عامة، مثل: منهج التحضيري، خطواتي الأولى في المدرسة التحضيرية، معارفي الأولى، لغتي الوظيفية. وتشير المتحدثة إلى أن «قصة واحدة تغني الطفل بمفردات يومية بين 1000 و2000 كلمة، بينما لا يوفر المقرر المدرسي سوى حوالي 50 كلمة جديدة في السنة».
لغات: تقدم للإنجليزية... ولكن
يحملالدخول المدرسي لعام 2025 مستجداً آخر، يتمثل في توسّع تدريس الإنجليزية مقابل تراجع حصة الفرنسية.
لكن الباحثة تعتبر «الحديث عن تدريس الإنجليزية مضحك في وقت تم فيه قتل اللغات الأم»، كما تقول، في إشارة إلى العامية الجزائرية والقبائلية، رغم إدراج الأمازيغية في المدرسة.
وتضيف: «لا يمكن للجنة وزارية أن تضع لغة للتدريس. ما يقدم مجرد إنجليزية سياحية مبسطة. نحن في أزمة لغات، والمدرسة الحالية تقتل الفضول عند الطفل».