B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

غبار مصنع الفوسفات محل احتجاج: اختناق تلاميذ يفجر الشارع التونسي

Par ب.سعيد
12 أكتوبر 2025

انفجرت الاحتجاجات في مدينة قابس جنوبي تونس مساء السبت، حين اقتحم مئات المحتجين مقر المجمع الكيميائي التونسي مطالبين بتفكيكه بعد تصاعد حالات الاختناق والتلوث البيئي الحاد.

وردّت الشرطة بإطلاق الغاز المدمع لتفريق الجموع الغاضبة، في مشهد يعيد للأذهان توتر العلاقة القديمة بين الاقتصاد والبيئة في البلاد.

الشرارة اشتعلت بعد إصابة عشرات التلاميذ بصعوبات في التنفس بسبب الأبخرة السامة المنبعثة من وحدة إنتاج الحامض الفسفوري.

وسرعان ما تحولت حالة الذعر إلى غليان اجتماعي، إذ تداولت شبكات التواصل صورًا لآباء يهرعون لإنقاذ أطفالهم وسط صراخ واستغاثات.

من احتجاج بيئي إلى أزمة اقتصادية

لم تكن احتجاجات قابس مجرد غضب بيئي، بل إنّها كشفت عن خلل اقتصادي أعمق. فالمجمع الكيميائي، الذي يُعدّ أحد أعمدة صناعة الفوسفات التونسية، أصبح في نظر السكان “رمزًا للاختناق لا للتنمية”.

الهتافات التي دوّت في شوارع المدينة طالبت بإغلاق المصنع نهائيًا، فيما أضرم محتجون النار في مقر فرعي للمجمع وسط محاولات الدفاع المدني لاحتواء الموقف. وردّت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وطاردت المتظاهرين في الأزقة.

الحكومة في مأزق الموازنة بين الربح والحياة

في مواجهة غضب الشارع، عقد الرئيس قيس سعيّد اجتماعًا طارئًا مع وزيري البيئة والطاقة، وأمر بإرسال وفود إلى قابس لإجراء “إصلاحات عاجلة”. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في ترميم الأنابيب بل في إعادة صياغة معادلة التنمية ذاتها:

كيف يمكن لتونس أن تحافظ على أحد أهم مصادر عملتها الأجنبية — الفوسفات — دون أن تدفع ثمنه من صحة مواطنيها؟

الفوسفات: ثروة تقتل ببطء

تُراهن الحكومة على زيادة إنتاج الفوسفات إلى 14 مليون طن بحلول عام 2030، لكن سكان قابس يرون في هذه الخطة “حكمًا بالإعدام البيئي”.

فكل يوم تُصرف أطنان من النفايات الصناعية في بحر شط السلام، ما دمّر الحياة البحرية وقلّص مصدر رزق الصيادين.

يقول الناشط البيئي خير الدين دبية، أحد قادة حملة “أوقفوا التلوث”:

“قابس لم تعد مدينة للحياة، بل منطقة موت بطيء… السرطان هنا مثل الهواء، لا يُرى لكنه في كل مكان.”

اختناق بيئي… ورهان سياسي

قابس اليوم مرآة لتناقضات الاقتصاد التونسي: بلد يبحث عن النمو عبر تصدير موارده الطبيعية، بينما يختنق في الداخل بدخانها.

وفي حين يصف الرئيس سعيّد ما تتعرض له المدينة بأنه “اغتيال للبيئة”، يرى الاقتصاديون أن استراتيجية الإنتاج بلا حماية بيئية قد تعصف بما تبقى من ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء.