اعتمد مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025 القرار 2797، القاضي بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لمدة سنة كاملة، في تصويت انتهى بـ11 صوتاً مؤيداً وثلاثة امتناعات، إلى جانب عدم مشاركة الجزائر في التصويت. هذا التطور جاء بعد مفاوضات مطولة اتسمت بتوتر دبلوماسي واضح، في ظل مساعٍ أميركية لصياغة نصّ يمنح زخماً لخيار الحكم الذاتي المغربي، مقابل محاولات مضادة من الجزائر وحلفائها لإعادة تثبيت مرجعية تقرير المصير بشكل صريح.
دوافع الجزائر: اعتراض سياسي وصياغة محسوبة
اختارت الجزائر عدم المشاركة في التصويت بدل التصويت بالرفض، في خطوة حملت رسائل متعددة. من جهة، رأت الجزائر أنّ النص النهائي "لا يرقى إلى مستوى تطلعاتها" رغم نجاحها – وفق مصادرها الرسمية – في تعديل صياغة المسودة الأولى التي كانت تحمل انحيازاً واضحاً للرؤية المغربية. ومن جهة ثانية، سمح هذا الخيار للجزائر بالتعبير عن رفضها السياسي دون الدخول في مواجهة عددية خاسرة داخل المجلس قد تظهرها معزولة، خصوصاً في ظل تصويت غالبية الأعضاء لصالح القرار.
التعديلات التي تقول الجزائر إنها انتزعتها شملت: الإبقاء على مبدأ تقرير المصير كمرجعية قانونية وسياسية، بعد تأكيد القرار الأممي على أنه " يقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر قابلية للتحقيق لدعم حل نهائي مقبول للجميع".
وهو الخيار الذي ربط في الفقرة بخيار يسمح بتقرير المصير للشعب الصحراوي.
في حين خرج الشعب المغربي في مظاهرات بعدة مُدن كأداة لمواصلة التعبئة الداخلية، تعبيراً عن فرحة مشروطة ومقيدة ، بعد تغير المقترح الأول ، الذي فصل في خيار "الحكم الذاتي" كخيار وحيد، جدي وواقعي.
منح تجديد الولاية مدة سنة كاملة بدل ثلاثة أشهر كما ورد في المشروع الأولي وتوسيع الإشارة إلى قرارات مجلس الأمن السابقة قبل 2007، وعدم حصر المرجعية في القرارات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ فقط.
إزالة العبارات التي كانت تصف مقترح الحكم الذاتي المغربي بـ"الجاد وذو مصداقية وواقعي".
هذه العناصر استُخدمت لتأكيد أنّ الجزائر أثّرت على النص النهائي، وأنّ خيارها بعدم التصويت ليس انسحاباً من المعركة الدبلوماسية، بل تثبيتاً لسقف سياسي تعتبره دفاعاً عن "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره".
الموقف الروسي–الصيني: امتناع بلا تعطيل
رغم العلاقات الوثيقة بين الجزائر وكل من روسيا والصين، اختارت العاصمتان الامتناع عن التصويت عوض استخدام حق النقض (الفيتو). الخلفية هنا متوازنة فالدولتان اعتبرتا النص غير متكامل ولا يعالج جوهر التوازن المطلوب.
مع ذلك، ارتأتا عدم تعطيل التجديد للمينورسو، لئلا تتحمّلا مسؤولية وقف مهمة أممية تُعد صمام تهدئة في نزاع مفتوح قد يمسّ الأمن الإقليمي.
الامتناع وفّر لهما موقعاً وسطياً يحمي قنواتهما مع الجانبين المغربي والجزائري، ويمنع انخراطهما في مواجهة سياسية غير مربحة دبلوماسياً في هذا الملف.
الولايات المتحدة وصياغة القلم
بوصفها "حاملة القلم"، دفعت واشنطن نحو نص يمنح الحكم الذاتي المغربي مكانة مرجعية في العملية السياسية، معتبرة هذا الخيار "الأكثر قابلية للتطبيق". غير أنّ التعديلات التي تم إدراجها لاحقاً، بفعل ضغوط وشراكات داخل المجلس، فرضت صياغة أكثر حذراً، تُبقي الباب مفتوحاً أمام مقترحات الطرفين دون إلغاء المرجعية الأممية أو مبدأ تقرير المصير.
واشنطن رحّبت باستضافة جولات تفاوضية مقبلة، في محاولة لترجمة الزخم السياسي الحالي إلى مسار عملي.
موقف جبهة البوليساريو: قبول بالمسار مع رفض للنهج
رحّبت جبهة البوليساريو بإعادة تثبيت حق تقرير المصير ودور المينورسو، لكنها شددت على أنّ النص يتضمن عناصر "تنطوي على انحراف خطير" عن مسار تصفية الاستعمار. ورفضت الجبهة أي عملية تفاوض "تُستخدم للمصادقة على الاحتلال"، مؤكدة تمسّكها بمقترحها الذي قُدم أول مرة في 2007، والمحدّث في أكتوبر 2025، والذي يقوم على تنظيم استفتاء لتقرير المصير وفق قرار الجمعية العامة 1514.
وشددت الجبهة في بيانها أنّ الشعب الصحراوي خرج في مظاهرات عبر عدة مدن حول العالم لتأكيد موقفه الرافض لأي حل ينتقص من سيادته وحقه غير القابل للتصرف.
دلالات سياسية
يمكن قراءة ما حدث وفق ميزان القوى الحالي داخل مجلس الأمن، كون ان جزائر نجحت في فرملة النص الأولي ومنع صدور قرار يميل كلياً للحكم الذاتي.
الولايات المتحدة حافظت على أولوية خيار الحكم الذاتي دون الاصطدام بفيتو روسي–صيني. في حين ان موسكو وبكين اختارتا الامتناع تكتيكياً للحفاظ على أوراق التوازن.
المجلس جدّد دعمه للمينورسو ومبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، وأعاد التأكيد على حل سياسي "مقبول للطرفين" يضمن تقرير المصير.
الناتج النهائي ليس نصراً كاملاً لأي طرف. القرار كرّس استمرار العملية الأممية وغطاءً لتجديد ولاية المينورسو، لكنه أيضاً حافظ على رمزية مبدأ تقرير المصير. الجزائر لم تُصوّت ضد القرار لتجنّب عزلة رقمية ودبلوماسية، بينما روسيا والصين امتنعتا للحفاظ على معادلة دقيقة بين مبادئ القانون الدولي ومصالح القوة والنفوذ. أما البوليساريو، فتبقى على خط سياسي ثابت: لا حل خارج حق تقرير المصير الكامل.
بهذا، دخل ملف الصحراء الغربية مرحلة جديدة من التوازن الحذر، حيث تستمر الأوراق الأساسية في يد القوى الكبرى، وتبقى ساحات الدبلوماسية مفتوحة على احتمالات تفاوض، دون حسم نهائي قريب.