خلف مقود سيارته “التويوتا” رباعية الدفع، يتمتم بل باشير أكثر مما يتحدث. رجل في الخمسينيات من عمره، يصبح صوته أكثر وضوحاً حين يسترجع ماضيه كسائق مسافات طويلة: فزان في ليبيا، تينيري في النيجر، غاو في مالي. جاب الصحراء على جانبي المدار، منطلقاً من هذا المفترق القافلي الذي يطل على الشمال.
اليوم، هو منتج كبير للبطيخ في المنيعة، الأول الذي يبيعه في التل بينما الربيع لم يستقر بعد. في قلب مزرعته الشاسعة، يجمع بستان على الطريقة “الميتيدجية” بين الحمضيات والرمان المحمي بسياج من أشجار “الكازوارينا”، شجرته المفضلة لكسر الرياح بدلاً من السرو. يكمّل تربية الغنم والماعز هذا النموذج.
«يمكنكم اختيار خروفكم للعيد في فبراير، أوصله لكم إلى الجزائر عشية العيد.»
عاملان من إفريقيا جنوب الصحراء يتكفلان بالصيانة بين موسمين، «حين نحتاج إلى تعزيز اليد العاملة».

قد تشبه أولى لقاءات التجار الشماليين بالمنيعة هذا المشهد: غارة على مزرعة صحراوية للتزوّد بالخضروات المبكرة. سوء فهم. فقد حُبست “الڨولية” السابقة سنوات طويلة داخل هوية المكان ذي المياه الوفيرة، مختبر الزراعة الصحراوية الوطنية. تضع ختمها الأخضر منذ حاسي الفحل للقادم من الشمال، من خلال محاور الري الدوارة على جانبي الطريق الوطنية رقم 1.
هوية أخرى تستعيد مكانتها: لؤلؤة الصحراء، أكبر و أغنى واحة فيها، التي قدّسها كثير من الرحالة في القرن الماضي. التوقف السريع لتناول الغداء، للتليين المستعجلين في طريقهم إلى تيميمون، يصبح خطأ ذوقياً.
دار الورد لوضع الأخضر على الأكسيد الأحمر
في الغرب، يقبل زرقة السماء أولى الألوان المتسللة لضوء متراجع. لا أفق مرئياً هنا. البحيرة التي نقود دراجاتنا فوق ساحلها، نصغي لشروحات حميدو، تحدّها الغابة النخيلية — الأكبر في الصحراء إذا استبعدنا طولقة القريبة جداً من التل.
هناك عدّة طرق للقاء المنيعة. هذه الطريقة تجمع كل عناصرها: الواحة، الماء، العرق الصحراوي القريب الذي يُوزّع الأدوار، والسرد الذي يعيد بريق هذه الوجهة المنسية طويلاً من السياح.

جمعية دار الورد تُعيد بناء أسطورة “الڨولية” السابقة، لؤلؤة الصحراء في الحقبة الاستعمارية، بنسخة COP30. الجمعية التي تُدير أشهر دار ضيافة في المدينة، طوّرت منذ سنوات طويلة حديقة نباتية، وحديقة حيوان صغيرة، وحفرت بحيرة عند حافة العرق.
السياحة الجديدة هنا مختومة بالأخضر: حماية التنوع البيولوجي، النظم البيئية المحلية، الاقتصاد الدائري. يعيد المشروع وضع المنيعة في الضوء المستدام.
حميدو، بملامح ريادي ناشط خيري، له عينان لامعتان كمن يروي حلماً عبر الإنترنت، حين يقدم مقاربة عائلته الكبيرة «الاجتماعية والبيئية»، عائلة من المقاولين التقليديين، من أجل مجتمعهم. وفي النهاية، من أجل عالمية المنيعة، الأثر المتوهج لتعايش واعٍ بين الإنسان والصحراء.
«يجب أسبوع كامل على الأقل لزيارة كل ما تقدمه المنطقة من اكتشافات. معكم ثلاثة أيام فقط؟ مؤسف. سنتدبّر الأمر.»
فلامينغو كعلامة على الزمن
كمين جمالي بطابع قطبي على مرمى مئات الأمتار من إسفلت الوطنية رقم 1. دهشة على حافة الجرف الشرقي لبحيرة المالح. القرص الشمسي يتضاعف فوق الامتداد المائي الهائل المحاط بذهبيات العرق، تحت حريق من الألوان. فخ للمشاعر.
«حتى الغروب فوق قمة كثيب تاغيت العظيم ليس بهذا السحر»، يهمس مُفتونٌ يختنق بالهواء. تأثير المفاجأة. كان يفترض لتسلسل الاقتراب — لحظة ما قبل صعود الجرف ظهر المغيب — أن يهيئنا لهذا الانتشاء.
طيور الفلامينغو الوردية. إنها هنا، مصطفّة، رشيقة وغير متوقعة، في هذا المشهد الذي يبدو كوثائقي طبيعي بميزانية ضخمة.
كنت دائماً أسمع عن بحيرات المنيعة. لم يخبرني أحد أن هذا المزيج موجود: البحيرة، الفلامينغو، قرب الواحة، العرق غرباً، الغابة النخيلية شمالاً، والشمس سيدة الحفل السماوي.
الاحمرار يطول. أولى أنوار المدينة تعكس ضوء النجوم المبكرة. اكتشاف المنيعة، هنا، رقصة دوّارة من سيارات الدفع الرباعي تتوقف لاستقبال الليل.
القصـر القديم يحرس الواحة
المنيعة لعبت ورقتها الرابحة وهي تطارد الشمس. في الصباح، كانت تقترح تاريخها الحجري: قصرها القديم ذو الأحد عشر قرناً وأساطيره النسوية.
مباركة بنت الخاص، ملكة أمازيغية، حامية هذا المحط القافلي الذي صار عقدة الصحراء إلى غاية أطراف الحقبة الاستعمارية.
الصعود إلى القصر القديم رحلة قروسطية فوق مدينة-واحة باهرة. جدرانه الطينية، التي نحتتها الرياح، تبدو مصممة لمقاومة النسيان أكثر من مقاومة الزمن.
في الأسفل، تظهر الواحة بكامل امتدادها. بين البيوت المهجورة والأبواب المغلقة، يتحرك التاريخ كغبار بطيء.
سقف المسجد احترق سنة 2024. شبان متسللون ليلاً تركوا ناراً مشتعلة. القصـر القديم غير محروس ليلاً. المنيعة لم تستيقظ بعد على الكنوز التي تحتضنها؟
مديرية الثقافة في الولاية الجديدة وعدت بترميم الموقع المتضرر.
الأب دو فوكو، الرحالة المكرّس
حارس أول كنيسة بُنيت في الصحراء يأتي من جواره لفتحها للزوار. كنيسة سان جوزيف تشعر باليتم بعد غياب الوجود المسيحي الذي زعزع قروناً من يقين الواحة.
آخر شاهد كبير: ضريح الأب شارل دو فوكو، الذي توفي في تمنراست عام 1916 ونُقل إلى الڨولية سنة 1929.

السياحة الدينية، التي لا تزال جنينية في بلد القديس أوغسطين والطريقة التيجانية، تحمل مع المنيعة وعداً بالفرادة: زيارة قبر قديس طوّبه البابا (2005) ثم أعلن قداسته (2022).
داخل الكنيسة، بأثاث بسيط على نهج الواحة، تغطي سيرة حياة الأب دو فوكو الجدران. رحلة مذهلة، منثورة في أماكن مدهشة لدرجة أن الڨولية تستغرب أنها احتضنت محطته الأخيرة.
المنيعة تحتضن الضريح قرب الكنيسة. تلفّه ببطء بأشجار نخيلها التي لا تُعد.
البستان وجرعة الروح
أول مرة توقفت فيها ليلة بالمنيعة، كانت تكافح ضد الاختفاء التدريجي للڨولية الاستعمارية. الفندق العمومي البستان كان يساعدها. كان ذلك عام 1986، بمناسبة رالي الجزائر للسيارات والدراجات. زمن آخر، بلد آخر.
البستان، بتوقيع فرناند بويّون، رُمّم. رائع. واحة من الرقي داخل اللؤلؤة. قد يصبح المنتج الجاذب — غير المتاح للجميع — للمنيعة، لو تبنى روح دار الورد. يكفيه أن يروي المنيعة للمسافر ويقترحها كما هي اليوم: مزيج متسامٍ من تاغيت، تيميمون والوادي.

الأولى لدهشة الكثيب المهيب المطل على الغروب. الثانية لتجربة القصور الوسطية وعبقريتها المائية. الثالثة للعرق الذي صار حوضاً غذائياً مفاجئاً للبلاد. المنيعة تتجاوز هذا الثالوث. تملك جرعة روح إضافية: المسطحات المائية في بحيراتها.
بل باشير يعرف هذا. يحب قبل كل شيء أن يكشف لزواره المذهولين أكبر وأجمل بحيرة في المنطقة، المحاطة بالكثبان، على بعد عشرين دقيقة من جزيرته الميتيدجية. تجربة إيكولوجية غامرة تُشبه الهلوسة بجمالها وألوانها.