يشهد ميناء عنابة عملية شحن كبرى لتصدير 28 ألف طن من الإسمنت الأبيض على متن السفينة SSI Reliance باتجاه الولايات المتحدة، ضمن عمليات التصدير التي تقودها شركة «بسكرة إسمنت». ويُتداول هذا المنتج عالي القيمة في الأسواق الدولية بنحو 200 دولار للطن، ما يمنح العملية بعدًا اقتصاديًا لافتًا.
وأكدت إدارة المؤسسة المينائية لعنابة أن مختلف الترتيبات اللوجستية جرى تفعيلها لتسهيل العملية، بالتنسيق مع مصالح الجمارك والهيئات المعنية، بهدف ضمان انسيابية الشحن واحترام الآجال. وتندرج هذه الشحنة ضمن مخطط توسع الشركة المصدّرة، التي تستهدف رفع صادراتها السنوية إلى سقف 200 ألف طن.
وتأتي هذه العملية امتدادًا لنشاط مكثف شهده الميناء خلال شهر أكتوبر الماضي، عندما احتضنت الأرصفة عمليتي شحن متزامنتين شملتا ما يقارب 90 ألف طن، تمثلت في الإسمنت الأبيض الموجه إلى الولايات المتحدة، والكلنكر المتجه إلى موريتانيا، في مؤشر على تنامي دور الميناء في تصدير مواد البناء.
تطور قطاع الاسمنت
وعلى المستوى الوطني، يعكس هذا النسق تطور قطاع الإسمنت باعتباره أحد محركات تنويع الاقتصاد. فقد بلغت عائدات تصدير الإسمنت خلال سنة 2023 نحو 747 مليون دولار، بينما سجلت صادرات الكلنكر 438.48 مليون دولار، ما وضع الجزائر في المرتبة الثانية عالميًا بعد فيتنام. وتصدرت الأسواق الأوروبية قائمة الزبائن، خاصة فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، في حين قاربت صادرات الإسمنت الجاهز 750 مليون دولار، لترتفع مداخيل القطاع ككل إلى حوالي 1.2 مليار دولار.
ويرتكز هذا الأداء على تحديث المنظومة الصناعية، والتوسع في الأتمتة ورفع قدرات الموانئ. ويبرز ميناء عنابة كقطب لوجستي متطور يربط الجزائر بأسواق أوروبا وإفريقيا وأمريكا الشمالية، مستفيدًا من تحسينات كبيرة في البنية التحتية وسلاسة الإجراءات.
غير أن هذه الديناميكية تواجه تحديًا مستجدًا، يتمثل في فرض الولايات المتحدة منذ 1 أوت 2025 رسمًا إضافيًا قدره 30% على الواردات الجزائرية، خاصة مواد البناء، بدعوى تصحيح اختلال الميزان التجاري. ويضع هذا الإجراء المصدّرين أمام خيارين صعبين: امتصاص جزء من الكلفة للحفاظ على الحصة السوقية، أو تمريرها للمستوردين مع خطر فقدان التنافسية.
ومن المتوقع أن تدفع هذه الضغوط نحو إعادة توجيه جزء من الصادرات إلى أسواق أقل تعقيدًا، خصوصًا غرب إفريقيا وحوض المتوسط. ورغم ذلك، يواصل ميناء عنابة العمل بطاقته القصوى في شحن الإسمنت والكلنكر والصلب والأسمدة والمنتجات الزراعية، ليظل رمزًا عمليًا لجهود الجزائر في تثبيت حضورها داخل سلاسل القيمة الإقليمية والدولية، حيث تمثل شحنة اليوم أكثر من مجرد عملية تصدير عابرة.