استقبل الجزائريون عدم انضمام بلادهم إلى مجموعة البريكس عام 2023 بشعور قريب من الإهانة، بعدما أوحت الخطابات الرسمية، خصوصاً الرئاسية منها، بأن الانضمام بات شبه محسوم. كان الضرر رمزياً قبل كل شيء، مساساً بصورة البلد ومكانته، وجرحاً نرجسياً لا يغيّر شيئاً من تفاصيل الحياة اليومية. لكن المشهد يختلف تماماً مع انهيار المنحة السياحية، ذلك الإجراء الذي طال انتظاره في ظل تدهور قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية، ما جعل المنحة السابقة لا تتجاوز 98 يورو لو بقيت عند خمسة عشر ألف دينار. انهارت المنحة الجديدة البالغة 750 يورو هذا الأسبوع وسط ضجيجٍ مدوٍّ، وحيث وجد عشرات الآلاف من الجزائريين أنفسهم يُقدَّمون كـ«مجرمون» على لسان وزير ظهر في هيئة نائب عام. أخرجت القيود الجديدة التي فرضها بنك الجزائر للحصول على المنحة ملايين الجزائريين فجأة من «بريكسهم الذهني». لم يعودوا ضمن دائرة المستفيدين من سعر الصرف الرسمي، وانفجر غضبهم على شبكات التواصل. تحاول هذه المقالة، المتعاطفة، تهدئة هذا الغضب عبر تحليل الآلية التي تُنتج مثل هذه الإخفاقات الصادمة.
في ذكرى حميد «لا سيانس»
أضحت الحوكمة الاقتصادية في الجزائر فوضويةً على نحوٍ صارخ. ففي سنة 2025 وحدها، تثير قائمة القرارات المتّخذة على عجل الدهشة: استيراد مليون رأس غنم لمواجهة الجفاف، استيراد 10 آلاف حافلة عقب حادثٍ مأساوي، فرض برنامج توقّعي للاستيراد (PPI) بعد تراجع احتياطات الصرف، استيراد مليوني إطار بسبب نقصٍ حاد، والتشديد الكبير على المنحة السياحية إثر ذروة في خروج العملات الصعبة في هذا البند. وهذه ليست سوى القرارات الأكثر ظهوراً. والقاسم المشترك بينها جميعاً، أو جلّها، هو السعي إلى الحفاظ على احتياطات الصرف… حتى حدود حافة جسر الحراش. فعندما يبلغ توفير العملات الصعبة حدّاً غير قابلٍ للتحمّل، يُستدعى الدينار الرسمي القابل للتحويل للنجدة. أمّا في غير ذلك، فيجب حمايته حتى لا تتدهور مؤشرات المحاسبة الوطنية التي يُراد لها أن تُجسّد «الجزائر الجديدة». هذا الإصرار المناهض للإصلاح قاتل. وهو إصرار المرحوم عبد الحميد براهيمي، الملقّب بحميد «لا سيانس»، خلال مرحلة 1986-1988، حين كان نموذج سنوات بومدين، الذي لم يُصلَح بشكل كافٍ، يعاني من انهيار عائدات الطاقة. وقد قاد ذلك إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، ثم—على المدى الطويل—إلى التوقف عن السداد سنة 1994.
الاختراق المدمّر للدينار الموازي
ومع ذلك، يبقى فارقٌ ملحوظ مقارنةً بالمرحلة الحرجة في الثمانينيات. ففي تلك الفترة، كان النقاش الاقتصادي حاضراً في الفضاء العام والإعلامي، حتى قبل الحريات التي جاء بها دستور فبراير 1989. كانت البدائل مطروحة: إصلاحات السوق عند مولود حمروش، أو العودة إلى التصنيع الإرادي عند بلعيد عبد السلام، وكان ذلك تحت مظلة الحزب الواحد الآيل إلى الأفول، قبل أن يتولى أصحاب هذه الرؤى المسؤولية لاحقاً. لا شيء من هذا القبيل اليوم. فالدعوات إلى إطلاق النقاش والعمل تتسلّل بصعوبة تحت وطأة الصمت الثقيل.
وقد دأب منذ أشهر عبد الحميد بساحة، خبيرٌ اقتصادي كليّ بارز، متقاعد من صندوق النقد الدولي، على شرح مخاطر الجمود، وهشاشة نموٍّ ضعيف تحمله النفقات العمومية، وأضرار ازدواجية سعر الصرف. وفي إحدى مساهماته الأخيرة يوضح، بإقناعٍ كبير، أن «سعر الدينار في السوق الموازية هو الذي يهيكل معظم القرارات الاقتصادية».
لقد خفّفت السلطات الضغط على الدينار الرسمي من دون التفكير في العواقب، ودفعَت تموين جزء من الاقتصاد إلى المرور عبر مسار «الكابا» (الحقيبة): تقنين الاستيراد المصغّر، سوق السيارات وقطع الغيار… إلخ. وأدّى الضغط على الدينار الموازي إلى نوبة ضعفٍ جعلت الفارق بين السعرين يقترب اليوم بشكل خطير من 100%. وهذا ينعكس على جميع الفاعلين: الأسر في مدّخراتها، المستثمرون المحليون والأجانب في خياراتهم، والمؤسسات أمام تضخّمٍ مستورد عبر الدينار الموازي.
كان يمكن أن يشكل إطلاق المنحة السياحية الجديدة —بعد مسلسلٍ سيئٍ دام ستة أشهر— متنفساً للسوق الموازية، لكن ذلك لم يتحقّق بسبب تطبيق برنامج الاستيراد التوقّعي (PPI) في النصف الثاني من السنة. فالمستبعدون من الدينار الرسمي يلجأون إلى استيراد السلع عبر الحاويات مستخدمين العملات “الخاصة”. كما أنّ منع—أو بالأحرى التذكير—بالاستيراد الفردي للسيارات لم يوقف تدهور الدينار في السوق الموازية.
ومع ذلك… كان كل شيء متوقعاً
كان ينبغي، على الأرجح، النظر أولاً إلى سعر الصرف الرسمي للدينار لدى بنك الجزائر قبل الاضطرار إلى حرمان ملايين الجزائريين من المنحة السياحية. فالفرصة التي تمنحها المنحة للمستفيدين — بفارق قيمة يتجاوز 80% مقارنة بالعملات المقتناة من السوق السوداء — لم يكن بالإمكان إلا أن تُلهم استراتيجيات اقتصادية لدى الأسر الجزائرية. المواطن الذي يستفيد من المنحة ويعود بعد خمسة أيام بدل سبعة ليس مجرماً، ولا مبرر للتعامل مع مخالفته التنظيمية كما لو كانت جرائم التصريح الجمركي الناقص التي شكلت أساس «الجريمة الاقتصادية» في عهد بوتفليقة، وكان محرّكها آنذاك فارق 50% بين السعرين.
نحن اليوم في وضعٍ عبثيٍّ تُحرَم فيه حتى المنحة القديمة—أقلّ من 100 يورو—من شريحة واسعة من المواطنين الذين كان يحقّ لهم الاستفادة منها مرّة في السنة من دون شروط. وكما هو الحال في التواصل بشأن ناتجٍ محلّي إجمالي بقيمة 400 مليار دولار أو صادرات خارج المحروقات بـ13 مليار دولار، فإنّ الإعلانات والقرارات غير الناضجة تكلف البلد كثيراً على مستوى الصورة والمصداقية. يقتضي المنطق السليم اليوم الإقرار بالقيود الحقيقية على ميزان المدفوعات كما هي، بوصفها قيوداً بنيوية ينبغي معالجتها من الجذور، عبر إدماج الكفاءات والخبرات، وفي إطار نقاش وطني يوقف كوارث القرارات الارتجالي