تشهد الجزائر خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا لافتًا في تهريب المخدرات الصلبة، وعلى رأسها الكوكايين، مع تغيّر واضح في أساليب التهريب، حيث أصبحت الشاحنات والجرارات الطريقية الوسيلة الأكثر استعمالًا لإدخال كميات كبيرة عبر الجنوب نحو الشمال، في مؤشر على توسع نشاط شبكات إجرامية منظمة ذات امتداد عابر للحدود.

وأظهرت العمليات الأخيرة لمصالح الأمن والجمارك والجيش الوطني الشعبي أن الكوكايين لم يعد يُهرّب بكميات محدودة، بل عبر شحنات ضخمة مخبأة داخل تجاويف مهيأة في وسائل نقل ثقيلة، ما يعكس تطورًا في القدرات اللوجستية لشبكات التهريب وخطورة التهديد الماس بالأمن والصحة العمومية.

وفي هذا السياق، كشف بيان للدرك الوطني أن بعض الكميات المحجوزة تتميز بتركيز عالٍ، حيث بلغت نسبة نقاء الكوكايين حوالي 70 بالمائة، وهو ما يزيد من خطورته الصحية. وقد جرى تقديم المشتبه فيهم أمام وكيل الجمهورية لدى القطب الجزائي الوطني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بسيدي أمحمد، لمتابعتهم بجنايات تتعلق بالاستيراد، النقل، الشحن، التخزين، السمسرة والحيازة بقصد البيع، في إطار جماعة إجرامية منظمة، إضافة إلى التهريب الخطر، التزوير، استعمال المزور وتبييض الأموال.

حصيلة قياسية لإتلاف المخدرات خلال 2025
سجلت سنة 2025 واحدة من أكبر عمليات إتلاف المخدرات في تاريخ الجزائر. ففي 20 نوفمبر 2025، جرت العملية الجهوية الأولى لإتلاف المخدرات والمؤثرات العقلية بقسنطينة، حيث تم إتلاف 13.5 طن من الكيف المعالج، و673 كلغ من الكوكايين، وأكثر من 15 مليون قرص مهلوس. ونُفذت العملية يوم 19 نوفمبر عبر خمس ولايات هي: الشلف، تلمسان، بشار، بسكرة وقسنطينة، تحت إشراف لجان مختصة وبحضور السلطات القضائية والأمنية، بعد جمع المحجوزات من مختلف النواحي العسكرية.
وشملت العملية إتلاف 13.584 طن من الكيف المعالج، و673 كلغ و311 غرامًا من الكوكايين، إضافة إلى 15.499.176 قرصًا مهلوسًا، وفق إجراءات قانونية وصحية صارمة داخل منشآت صناعية مخصصة.
حجوزات ضخمة شمالًا وجنوبًا
وسبقت هذه العملية سلسلة من الضربات النوعية لشبكات التهريب. ففي 11 نوفمبر 2025، حجزت الجمارك بأدرار 81 كلغ من الكوكايين بعد عملية مشتركة مع الجيش والدرك والأمن. كما فككت شرطة سطيف شبكة دولية وحجزت أكثر من 22 كلغ من الكوكايين و17 كلغ من الكيف المعالج.

وفي 24 أوت 2025، تمكنت المصلحة الجهوية لمكافحة الجريمة المنظمة بوهران من حجز 115 كلغ و572 غرامًا من الكوكايين بين ولايتي سيدي بلعباس ومعسكر، كانت مخبأة داخل شاحنة مهيأة خصيصًا. كما سُجل حجز 132.7 كلغ من الكوكايين بولاية أدرار يوم 17 أبريل 2025، باستعمال جرار طريقي ومقطورة، إضافة إلى عملية أخرى يوم 25 مارس 2025 بين غرداية والأغواط أسفرت عن حجز 121.40 كلغ.
وفي الموانئ، أعلنت الجمارك يوم 15 مارس 2025 عن حجز 200 كلغ من الكوكايين بميناء العاصمة، كانت في الأصل موجهة إلى ميناء وهران قبل تغيير الوجهة، في قضية أعادت إلى الواجهة ملف الرقابة بالموانئ وأجهزة المسح الضوئي.
مؤشرات مقلقة
وتؤكد هذه الأرقام أن الجزائر تواجه موجة غير مسبوقة من تهريب الكوكايين، بكميات تفوق بكثير ما كان مسجلًا قبل سنوات، بما يعادل عدة أضعاف شحنة ميناء وهران سنة 2018. ورغم الجهود المكثفة لمختلف المصالح الأمنية، تكشف المعطيات الميدانية أن شبكات التهريب تواصل محاولاتها لاختراق التراب الوطني، مستغلة المساحات الشاسعة والطرق البرية الطويلة، ما يجعل المعركة ضد هذه السموم مفتوحة على كل الاحتمالات.
ويحسب مصادر رسمية حتى نهاية 2025، أعلنت كولومبيا عن مصادرة كميات كبيرة من الكوكايين خلال العام الحالي تشمل عمليتين بحريتين أخيرتين أدت إلى ضبط 27 طنًا من الكوكايين فقط في تلك العمليات البحرية، وهو ضمن جهود مستمرة لمكافحة تهريب المخدرات في البلاد، وتُعد كولومبيا أكبر منتج ومصدر للكوكايين عالميًا. أما بيرو، فالبيانات الرسمية المنشورة أشارت إلى أن الشرطة البيروفية صادرت حوالي 3.4 طن من الكوكايين في عملية واحدة حديثة خلال ديسمبر 2025 بإقليم بيورا، وهي تُعد من أكبر مصادرات البلاد هذا العام.
