B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

الجزائر – فرنسا: 2025، السنة التي ترسّخت فيها الأزمة على المدى الطويل

أسامة نجيب 25 ديسمبر 2025
أزمة ثقة بين الجزائر وباريس - تبون وماكرون في الجزائر، عام 2022

في عام 2025، لم تنقطع العلاقة بين الجزائر وباريس، لكنها تضرّرت بشكل عميق ومستمر. فمن القانون الجزائري الذي يجرّم الاستعمار إلى الموقف الفرنسي من الصحراء الغربية، اتّسعت خطوط التصدّع، بينما باتت السياسة الداخلية الفرنسية تُثقل أكثر فأكثر على الملف الجزائري. أما الاقتصاد، فيعكس تراجعًا تدريجيًا للنفوذ الفرنسي.
تنتهي سنة 2025 كما بدأت: في أجواء من التوتر. فاعتماد المجلس الشعبي الوطني لقانون تجريم الاستعمار الفرنسي، وما تلاه من ردّ فعل فوري من باريس وصفت فيه المبادرة بأنها «عدائية»، يقدّم مثالًا شبه آلي على ذلك. بين الجزائر وباريس، لا يزال الماضي عصيًا على التجاوز. بل إن الفكرة التي قامت عليها لجنة المؤرخين، والمفترض ضمنيًا أن تقود إلى قراءة توافقية للماضي الاستعماري، باتت تظهر اليوم على حقيقتها: بناء هشّ ومنفصل عن الواقع.
غير أن الماضي، بثقله ودمويته، ليس العامل الوحيد في تدهور علاقة ثنائية استقرّت بشكل دائم عند حافة القطيعة. فقد تغذّت الأزمة أيضًا على هشاشة الروابط المؤسسية بين البلدين، والتي كان يغطيها، لفترة من الزمن، التواصل الشخصي بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون. وقد كشفت هذه القربى، التي قُدّمت يومًا كرافعة، عن حدودها: إذ لم تستطع تعويض غياب التقارب الاستراتيجي واستمرار الخلافات الجوهرية على المدى الطويل.
ديناميكية التدهور
تندرج سنة 2025 ضمن مسار تدهور بدأ منذ عام 2024، مع قرار إيمانويل ماكرون الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. لم تكن الجزائر تتوهّم يومًا بشأن الدعم التقليدي لفرنسا للرباط، سواء داخل الأمم المتحدة أو في إطار الاتحاد الأوروبي. غير أن هذا الاعتراف شكّل قفزة نوعية، تجاوزت بكثير «المنعطف» الذي قامت به إسبانيا بقيادة بيدرو سانشيز، واصطدمت مباشرة بمبادئ الشرعية الدولية. وإلى هذا البعد السياسي أُضيف، على ما يبدو، شعور بالخيانة الشخصية على أعلى مستوى في الدولة الجزائرية.
في الوقت نفسه، فتح تراجع ماكرون على الساحة الداخلية الفرنسية، عقب حلّ الجمعية الوطنية بشكل فاشل، المجال أمام اليمين المتشدّد واليمين المتطرف المعاديَين للجزائر بشكل صريح. وأصبحت الجزائر موضوعًا متكررًا في النقاش السياسي الداخلي الفرنسي، غالبًا لأغراض انتخابية. وزاد تعيين برونو ريتايو وزيرًا للداخلية من حدّة هذا المنحى، إذ تحوّلت الجزائر إلى محور شبه حصري في خطابه السياسي.
الجزائر، موضوع سياسة داخلية في فرنسا
منذ ذلك الحين، تحوّل كل حدث، بل وحتى كل واقعة بسيطة، إلى عنصر إضافي في تسريع تدهور العلاقة الثنائية. وقد تأكّدت قدرة وسائل إعلام مجموعة بولوري على فرض الأجندة السياسية والإعلامية الفرنسية في معالجة الملف الجزائري. ولم تكن الردود الإعلامية الجزائرية أقل حدّة. فالكلمات المتبادلة بين الطرفين لم تعد تشير إلى الواقع نفسه، ما يغذّي أزمة باتت تتغذّى على ذاتها.
طرد «مؤثرين» من قبل باريس من دون احترام الأعراف الدبلوماسية، ردود فورية من الجزائر، قضية بوعلام صنصال التي جرى استغلالها بسرعة مع انزلاقات عنصرية صريحة — إذ تحدّثت رئيسة لجنة دعمه عن «ملايين» الجزائريين المستعدين لارتكاب مجازر — ثم قضية أمير DZ… سلسلة طويلة من التوترات باتت تشكّل يوميات العلاقة الثنائية.
وقد جرت محاولة لخفض التصعيد في نهاية مارس، عبر مكالمة هاتفية بين ماكرون وتبون، لكنها لم تُسفر عن نتائج ملموسة. وشهد شهر أبريل تبادلًا لطرد دبلوماسيين، ما أعطى الانطباع بأن عتبة حرجة قد تم تجاوزها، من دون أن يؤدي ذلك إلى قطيعة رسمية.
تؤكد سنة 2025 تطورًا مستدامًا: علاقة ثنائية باتت قائمة على انعدام الثقة، مع تطلعات متباينة بعمق. وتثقل السياسة الداخلية الفرنسية بشدة على هذه العلاقة، إذ تُبتلع أي مبادرة تجاه الجزائر سريعًا في نقاشات حول الهجرة، وذاكرة حرب الجزائر، والتوازنات الانتخابية الداخلية، ما يحدّ كثيرًا من قدرة السلطة التنفيذية الفرنسية على اتخاذ خطوات بنيوية ودائمة، بما في ذلك على الصعيد الاقتصادي.
لا قطيعة اقتصادية، بل تآكل تدريجي
على الصعيد الاقتصادي، لم تتسبّب الأزمة في قطيعة مفاجئة، لكنها أكدت تآكلًا تدريجيًا. ففي عام 2025، تتراوح المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا بين 10 و12 مليار يورو سنويًا، وهو مستوى مستقر نسبيًا منذ 2021. ومن حيث القيمة الاسمية، يظلّ حجم التجارة الثنائية ثابتًا، لكنه لا يسجّل تقدمًا، رغم الارتفاع الكبير في حجم التجارة الخارجية الجزائرية إجمالًا.
ويخفي هذا الاستقرار الظاهري تراجعًا نسبيًا لمكانة فرنسا في السلم الاقتصادي الجزائري. فبينما كانت باريس ضمن الشركاء التجاريين الأوائل في منتصف 2010، أصبحت اليوم خارج المراتب الثلاثة الأولى، متجاوزة من الصين، وتتنافس مع إيطاليا وإسبانيا. فحجم التبادل لا ينهار، لكن مكانة فرنسا تتراجع، ما يعكس فقدانًا في النفوذ الاقتصادي أكثر مما يعكس صدمة تجارية.
وتبدو هذه الاتجاهات أكثر وضوحًا على المدى الطويل. فبين عامي 2018 و2025، لم ترتفع المبادلات الجزائرية–الفرنسية إلا بنحو مليار إلى ملياري يورو، في حين ارتفعت المبادلات مع الصين وتركيا وبعض دول المتوسط بعدة مليارات خلال سنوات قليلة. ولا يعود هذا التباعد إلى ظرفية سلبية بقدر ما يعكس انفصالًا بنيويًا بدأ قبل الأزمة السياسية الحالية، لكنه تفاقم بفعلها.
أما الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر، فتسير في الاتجاه نفسه. إذ يُقدّر رصيدها بين 2.5 و3 مليارات يورو، وهو مستوى مستقر نسبيًا، لكنه يعاني من ضعف التجديد. ففي عام 2025، لم تُعلن مشاريع فرنسية كبرى جديدة، في حين كثّف الفاعلون الآسيويون والأتراك والمتوسطيون مبادراتهم. وتحتفظ فرنسا بمواقع تاريخية، لكنها تستثمر قليلًا في القطاعات المستقبلية، ما يحدّ من قدرتها على إعادة التموضع على المدى المتوسط.
ثقة مفقودة على المدى الطويل
ومع ذلك، لا تزال الشركات الفرنسية حاضرة بشكل معتبر. فهناك نحو 400 شركة فرنسية أو ذات رؤوس أموال فرنسية تنشط في الجزائر، وتوظّف ما بين 35 ألفًا و40 ألف شخص. ويؤكد هذا الاستمرار وجود علاقة اقتصادية لم تنقطع ولم تُهمَّش، لكنها لم تعد تتيح وصولًا مميّزًا إلى المشاريع الكبرى، التي تُمنح بشكل متزايد لمنافسين يُنظر إليهم على أنهم أكثر تنافسية أو حيادًا سياسيًا.
في المحصلة، تمثّل فرنسا في عام 2025 أقل من 10% من التجارة الخارجية الجزائرية، بعد أن كانت حصتها أعلى بكثير قبل عقد من الزمن. ويُلخّص هذا التطور واقع العلاقة الاقتصادية الراهن: لا عقوبات، ولا انهيار، بل تراجع تدريجي في بيئة أكثر تنافسية وأقل تسامحًا مع الامتيازات الموروثة. وفي نهاية عام 2025، لم تُقطع العلاقة الجزائرية–الفرنسية، لكن انعدام الثقة أصبح معطًى ثابتًا ودائمًا.