أصبحت وهران، عاصمة الغرب الجزائري، عنواناً بارزاً لانتشار الفساد في المجالس الشعبية البلدية، فهي لا تشكّل الإستثناء لكنها تحوّلت إلى رمز له. فمن أصل 26 بلدية، أودع نحو 15 رئيس بلدية السجن خلال السنوات الأخيرة، بينما يقبع اليوم سبعة أميار في الحبس المؤقت أو يقضون عقوبات نافذة. هذه الحصيلة الثقيلة جعلت الترشح لرئاسة البلدية أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، تنتهي غالباً في أروقة المحاكم والزنازين، بدل أن تكون تكليفاً بخدمة المواطن وتحقيق التنمية المحلية.
وأول أمس فقط، تم إيداع رئيس بلدية الكرمة رفقة شخصين من أصل 12 مُتهماً رهن الحبس المؤقت.
من سيدي الشحمي إلى حاسي بونيف
بدأ مسلسل الفضائح مبكراً، ليتواصل بوتيرة سريعة. ففي جوان 2020، أودع رئيس بلدية سيدي الشحمي السابق، التابع إدارياً لدائرة السانيا، السجن المؤقت بتهم الإثراء غير المشروع، وتعارض المصالح، وإبرام صفقات مخالفة للتشريع. وفي ماي 2023، صدر حكم بسنتين سجناً نافذاً ضد الأمين العام الحالي والرئيس السابق لبلدية حاسي بونيف، بعد متابعته بتبديد أموال عمومية وتزوير محررات إدارية.
غير أن المسلسل لم يتوقف عند هذا الحد، فبعدها بثلاثة أشهر، وتحديداً في سبتمبر 2023، أدين رئيس بلدية بئر الجير السابق بعقوبة عامين حبسا غير نافذ، بينما استفاد رئيس بلدية السانيا الأسبق من الإفراج بعد استئناف عقوبته.
فضائح متلاحقة
ومع توالي الأشهر، اتسعت القائمة لتشمل رؤساء آخرين. ففي جويلية 2024، أودع رئيس بلدية بوسفر، دائرة عين الترك، الحبس. تلاه رئيس بلدية أرزيو (ج.ب) في أكتوبر 2024، بتهم سوء التسيير ومنح امتيازات غير مبررة.
وبعدها بشهر، أي في 25 نوفمبر 2024، جاء الدور على رئيس بلدية السانيا الحالي (ش.ج)، الذي أودع رفقة ثلاثة مقاولين رهن الحبس المؤقت، في قضايا صفقات مشبوهة وتبديد المال العام، قبل أن يتبعه خلفهُ بأيام قليلة إلى السجن هو الآخر.
وفي الفترة نفسها، اهتزت وهران على وقع إيداع رئيس بلدية مرسى الكبير (س. رحماني) السجن، بسبب تورطه في تزوير وثائق قاعدية لسيارة مرسيدس.
من بئر الجير إلى وادي تليلات
أما خلال أوت 2025، فقد أودع رئيس بلدية وادي تليلات الحبس المؤقت، بعد متابعته في قضية تسديد عقد غير مكتمل بقيمة 250 مليون سنتيم. وبعدها بأسابيع قليلة، وتحديداً في سبتمبر 2025، صدر حكم على رئيس بلدية الكرمة بالسجن ثماني سنوات نافذة رفقة زوجته الثانية، بعد ثبوت تورطه في اختلاس وتبديد أموال عمومية فاقت 45 مليار سنتيم.
وأمس تم رسمياً إيداع خلفه ببلدية الكرمة السجن مع رئيس لجنة الصفقات، فيما وُضع الأمين العام السابق تحت الرقابة القضائية.
الفساد.. عدو التنمية المحلية
تظهر هذه الوقائع المتتالية أن الفساد في بلديات وهران لم يكن مجرد تجاوزات فردية، بل منظومة نخرت أسس التنمية المحلية. فقد تحولت البلديات، التي يُفترض أن تكون قاطرة لتسيير الشأن العام وتوفير الخدمات للمواطن، إلى مراكز للثراء غير المشروع ونهب المال العام. والنتيجة المباشرة كانت تعطيل المشاريع التنموية، إفراغ الخزينة العمومية من أكثر من 154 مليار سنتيم، وحرمان المواطن من تحسينات كان من المفترض أن ترفع من مستوى معيشته.
القانون.. صمام الأمان الأخير
أمام هذا المشهد المظلم، برزت القوانين والرقابة القضائية كحاجز ضروري للحد من التسيب. فالقانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، مكّن القضاء من متابعة رؤساء البلديات، وسمح بفتح ملفات صفقات مشبوهة وتبديد للمال العام. كما أن القرارات الأخيرة لقضاة التحقيق، وأحكام غرف الاستئناف، جسّدت رقابة صارمة على تسيير الشأن المحلي في شقه المُدار من طرف المنتخبين.
وتحولت ولاية وهران، برصيدها الثقيل من الأميار الموقوفين، إلى نموذج لخلل بنيوي في تسيير البلديات، أعقبه قصور في تطبيق قوانين البلدية والانتخابات. إذ غابت الرقابة لسنوات، فاستشرى الفساد حتى أصبح قاعدة لا استثناء. ومع ذلك، تبقى صرامة القضاء وفعالية النصوص القانونية الأمل الأخير لإعادة الاعتبار للمجالس المحلية، واستعادة الثقة المفقودة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة.