عرض وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، فيصل بن طالب، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنيتين تحت شعار “ثورة في مجال الصحة والسلامة: دور الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل”، أرقاماً مقلقة بخصوص إحصائيات المخالفات المرتكبة في الوسط المهني.
واستعرض وزير العمل حصيلة سنة 2024 بالأرقام، حيث أنجزت مفتشيات العمل 10.378 محضر مخالفة ووجهت 98.764 إعذارًا بعد زيارات وتحقيقات ميدانية، أرقام تبدو ضخمة على الورق، لكن تظل فعاليتها مرهونة بمدى التزام المؤسسات الفعلية بتصحيح أوضاعها. أما هيئة الوقاية في قطاع البناء والأشغال العمومية والري فقد قامت بتحسيس 104.431 عاملاً وأصدرت 81.317 توصية وقائية، في قطاع يبقى رغم هذه الجهود أحد أكثر القطاعات خطراً وإصابة بالحوادث المهنية.
من جهته، سجل المعهد الوطني للوقاية من الأخطار المهنية تكوين 5.134 عاملاً، من بينهم 174 مفتش عمل فقط، رقم يطرح تساؤلات عن مدى كفاية هذا السلك الرقابي لمواكبة سوق عمل يتوسع ويتعقد عاماً بعد عام. كما أجرت مؤسسة طب العمل “بريستيماد” فحوصات طبية لفائدة 56.526 عاملاً موزعين على 799 مؤسسة، وهو رقم يكشف أن المعدل السنوي للفحوصات لكل مؤسسة لا يتجاوز بضع عشرات، بما لا يتناسب مع المعايير الدولية للسلامة الصحية في العمل.
الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء بدوره أنجز 6.709 زيارة ميدانية عبر 4.414 مؤسسة، إلى جانب 4.345 تحقيقاً في مجال الوقاية وتحسيس 12.361 عاملاً، في جهود مشكورة لكنها تبدو غير كافية أمام حجم المخاطر اليومية التي يعيشها العمال.
وخلال كلمته، شدد وزير العمل على ضرورة تطوير الهياكل الإدارية وسلاسل الإنتاج ومواكبة التحولات الرقمية، مع تعزيز قدرات جمع وتحليل البيانات الخاصة بالحوادث المهنية بهدف الانتقال من منطق رد الفعل إلى استباق المخاطر. من جانبه، اعتبر وزير الصحة أن إدخال الرقمنة والذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يلغي أهمية الذكاء الجماعي والعنصر البشري، الذي يظل الفاعل الحقيقي في تعزيز ثقافة الوقاية.
وأعلن الوزير عن تنصيب المجلس الوطني للوقاية الصحية والأمن وطب العمل واللجنة الوطنية للأمراض المهنية خلال السنة الجارية، في خطوة تهدف لتعزيز الإطار المؤسساتي، لكن يظل التحدي الحقيقي في تحويل هذه الهياكل من مجرد أطر إدارية إلى قوى فعلية قادرة على فرض معايير جديدة للسلامة المهنية.
وبين كل هذه الخطط والمجالس والتقارير الإيجابية، تبقى بيئة العمل في الجزائر بحاجة إلى أكثر من شعارات الذكاء الاصطناعي: تحتاج إلى ذكاء عملي في أرض الميدان، حيث يظل العامل البسيط هو الحلقة الأضعف وسط طموحات الرقمنة المستقبلة.
س.أ