B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

العلاقات الجزائرية الفرنسية: قطيعة سياسية وتواصل إنساني؟

Par م.إيوانوغن
12 مايو 2025
العلاقات الجزائرية الفرنسية: قطيعة سياسية وتواصل إنساني؟

تشهد العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا توترا متزايدًا يثير العديد من التساؤلات. فهل نحن أمام قطيعة شبه رسمية؟ يبدو أن الأمر كذلك، إذ لا توجد إشارات ملموسة على تحسن وشيك في العلاقات بين الحكومتين.

ومع ذلك، فإن العلاقات الإنسانية بين الشعبين لا تزل حية ونشطة. يصفها البعض بأنها "العَلاقة العميقة" أو "المجتمع الفعلي" الذي يصمد في وجه الأزمات السياسية. ولعل زيارة وفد برلماني فرنسي إلى الجزائر للمشاركة في إحياء ذكرى مجازر 8 ماي 1945 دليل على عمق وتعقيد هذا البعد الإنساني.

الاقتصاد يقاوم… ولو جزئياً

على الرغْم الأزمة السياسية، تظهر المؤشرات الاقتصادية نوعًا من المقاومة النسبية. ووفقًا لأرقام الخزينة الفرنسية

سجلت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر ارتفاعًا بنسبة 6.6% سنة 2024، لتصل إلى 4.8 مليار يورو.

المنتجات الصناعية، التي تمثل الصادرات الرئيسية، ارتفعت بنسبة 1.8% لتبلغ 1.9 مليار يورو. وشهدت صادرات مُعِدَّات النقل قفزة بـ 28.2% لتبلغ 1.1 مليار يورو، وقطاع المُعِدَّات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية ارتفعت صادراته بنسبة 22.8% ليبلغ 1.1 مليار يورو.

الصادرات الزراعية تحسّنت بدورها بنسبة 16.5% لتبلغ 322 مليون يورو، بعد تراجع حاد في 2023 بنسبة 73.1%، وذلك بفضل الانتعاش القوي في صادرات الحبوب. و من ناحية أخرى، بلغ رصيد الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الجزائر 2.8 مليار يورو سنة 2023، ما يجعل فرنسا ثالث مستثمر بعد الولايات المتحدة وإيطاليا. (+105.6%).

في المقابل، تراجعت الصادرات الجزائرية إلى فرنسا بنسبة 11.2% عام 2024، لتبلغ 6.3 مليار يورو، حسب الخزينة الفرنسية التي عزت هذا التراجع إلى انخفاض أسعار المحروقات العالمية. ومع ذلك، لا تزال الجزائر ثاني أكبر مصدر إلى فرنسا في شمال إفريقيا بعد المغرب.

كما شاركت الجزائر بـ 37 عارضاً من القطاعين العام والخاص في الدورة الـ58 لمعرض باريس الدولي للفلاحة. لكن في المقابل، تم إلغاء القمة الاقتصادية المنتظرة بين منظمة أرباب العمل الجزائرية (ال"كريا") والفرنسية (ال"ميديف).

التعاون الأمني… العقدة المركزية للأزمة

يُعد التعاون الأمني حجر الأساس في العلاقات الجزائرية الفرنسية. فحين تسود الثقة بين أجهزة الأمن في البلدين، تتبعه بقية الملفات بسلاسة: الاقتصاد، الثقافة، التأشيرات... أما عند اهتزاز هذه الثقة، فسرعان ما تظهر الأزمات على مختلف المستويات.

وقد تزعزعت هذه الثقة منذ 2019، مع اندلاع الحراك الشعبي. حيث تأخرت باريس في التعليق على الاحتجاجات الكبرى ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. وحين جاء التصريح، عبر وزير الخارجية جان إيف لودريان، كان الحديث عن "مرحلة إنتقالية في إطار احترام الدستور"، وهو ما اعتُبر في الجزائر تدخلاً غير مقبول ومحاولة لتوجيه الحراك، خصوصاً وسط تصاعد الشعارات المناهضة لفرنسا خلال المسيرات الشعبية.

منذ ذلك الحين، توالت التصريحات الفرنسية المستفزة من وجهة نظر الجزائر، وعلى رأسها تصريح ماكرون الذي وصف النظام الجزائري بـ"السياسي العسكري الذي يعيش على الذاكرة"، وتشكيكه في وجود "أمة جزائرية قبل الاستعمار"، وهو ما عُدّ دليلاً على جهل فرنسي بمكونات الدولة الجزائرية وتاريخها.

من سوء التفاهم إلى أزمة الثقة

في المقابل، يظهر نفس القصور في الفهم لدى الجانب الجزائري، حيث يُقابل أي تصريح أو خبر في وسائل الإعلام الفرنسية ببيان رسمي من وزارة الخارجية، دون مراعاة استقلالية القضاء والإعلام والمنتخبين ومختلف مؤسسات الدولة عن الحكومة في فرنسا.

لكن خلف هذا "سوء التواصل"، تكمن قضايا أمنية أكثر تعقيداً، مثل: محاكمة موظف بوزارة الاقتصاد الفرنسية بتهمة "التخابر مع دولة أجنبية" (الجزائر). وفي الجزائر أثارت تصريحات إرهابي سابق تائب بأن عميل في المخابرات الفرنسية اقتُرح عليه المساعدة في إعادة تنشيط خلاياه السابقة، جدلا واسعا في الضفتين. ثم جاءت قضية المؤثؤين الجزائريين في فرنسا المتهمين بالتحريض على العنف ضد معارضين جزائريين فوق التراب الفرنسي.

اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر، كان بمثابة حلقة إضافية في تصعيد الأزمة الديبلوماسية بين البلدين.  وأخيراً، اتهام دبلوماسي جزائري بالمشاركة في اختطاف المدون المعروف "أمير ديزاد"، وهو ما اعتبرته الجزائر "سابقة قضائية خطيرة في العلاقات الثنائية".

كيف يمكن استعادة الثقة؟

فشلت حتى الآن كل محاولات استئناف الحوار السياسي الجاد بين الجزائر وفرنسا. آخرها البيان المشترك الذي وقع عليه رئيسا البلدين، عبد المجيد تبون وإمانويل ماكرون، تلته زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نُويل بارو إلى الجزائر، لكنها سُرعان ما أُجهضت بسبب حبس العون القنصلي الجزائري المتهم في قضية أمير ديزاد.

من أجل ترميم العلاقة، هناك ثلاث مسؤوليات رئيسية: فرنسا يجب أن تتوقف عن التعامل مع الملف الجزائري باعتباره شأناً داخلياً فرنسياً. والجزائر من جهتها مطالَبة بفهم آليات عمل الديمقراطية الفرنسية، من استقلال القضاء إلى حرية التعبير.

وهناك فاعل ثالث في المعادلة، يتمثل في المعارضة الجزائرية في الخارج، والتي يجب أن تبتعد عن خطاب التهجم الشخصي والبحث عن الرواج في وسائل التواصل الاجتماعي، وتركّز على مبادرات جادة وملموسة

إن إعادة بناء الثقة بين الجزائر وفرنسا تمرّ عبر عقد أخلاقي جديد، يقوم على الاحترام المتبادل، فهم آليات كل نظام، والحدّ من التوظيف الإعلامي والسياسي الاستهلاكي. فبدون عودة الثقة الأمنية، كل الشراكات الأخرى ستظل مهددة بالانهيار عند أول خلاف.