شهد عام 2025 تحولًا كبيرًا في مسارات الهجرة غير النظامية نحو إسبانيا، إذ بات المسار البحري من السواحل الجزائرية إلى جزر البليار والموانئ الإسبانية من أكثر الطرق نشاطًا في غرب البحر الأبيض المتوسط. وفق بيانات رسمية إسبانية حتى منتصف أكتوبر 2025، وصل أكثر من 6,280 مهاجرًا غير نظامي إلى جزر البليار وحدها، مقابل أزيد من 4 ألاف وصلوا السواحل الإسبانية، عبر هذا الطريق، بزيادة 66% مقارنة بنفس الفترة من 2024، في حين استمر تدفق القوارب الصغيرة من الجزائر إلى السواحل الإسبانية بوتيرة مرتفعة خلال أشهر العام.
وبحسب بيانات وزارة الداخلية الإسبانية فإجمالاً، ما بين 1 يناير و15 ديسمبر 2025، سجلت إسبانيا وصول 35 935 مهاجراً غير نظامي عبر البحر والبر، بانخفاض كبير مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024، التي بلغ فيها العدد 60 311 مهاجراً. وتشير البيانات إلى أن هذا الانخفاض يعكس تراجعاً ملموساً في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى الأراضي الإسبانية، مع تفاوت واضح بين القنوات المختلفة للوصول، بما في ذلك السواحل وجزر الكناري والمناطق الحدودية مثل سبتة ومليلية.
وكشفت وكالة مراقبة الحدود الأوروبية (فرونتكس) أن الاتجاه المتزايد نحو الجزائر جاء على حساب مسارات أخرى، مثل طريق جزر الكناري، إذ ارتفعت نسبة الرحلات المنطلقة من السواحل الجزائرية إلى 75% من مجمل حركة المسار الغربي للبحر الأبيض المتوسط خلال 2025 مقارنة بــ40% قبل عام. في الوقت نفسه، شهد المسار ارتفاعًا في نسبة الوافدين، رغم انخفاض الهجرة غير النظامية عمومًا في الاتحاد الأوروبي بنسبة 22% خلال نفس الفترة.
أعداد الوافدين من الجزائر وتفصيل الجنسيات
بين جانفي وجويلية 2025، بلغ عدد الجزائريين الذين وصلوا إلى السواحل الإسبانية حوالي 4,099 شخصًا، وهو رقم يوازي سبعة أضعاف عدد الوافدين من المغرب في نفس الفترة، بحسب وثيقة داخلية لوكالة فرونتكس تم تسريبها إلى الصحافة الإسبانية. هذا يعكس تحوّلًا واضحًا في الجنسيات الأكثر حضورًا على هذا الطريق.
إضافة إلى ذلك، لوحظ تنوع في الجنسيات على هذا المسار؛ ففي بعض رحلات عام 2025 ظهر مهاجرون من دول مثل الصومال ضمن الوافدين إلى جزر البليار، مما يدل على أن الجزائر لم تعد مجرد بلد مصدر للهجرة الجزائرية، بل أصبحت أيضًا منصة عبور لمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.
حصيلة المفقودين والضحايا في البحر
ارتفاع أعداد الوافدين لم يأتِ دون تكلفة بشرية عالية. أفادت منظمة كاميناندو فرونتيراس غير الحكومية بأنه بين يناير وماي 2025، فقد 328 شخصًا أو لقوا حتفهم أثناء محاولتهم العبور من الجزائر إلى إسبانيا، معظمهم كانوا متجهين إلى جزر البليار. عدد الضحايا يشمل رجالًا ونساء وقُصّر، وهو ما يعكس خطورة المسار البحري والظروف القاتمة التي تواجهها الزوارق غير المهيّأة لعبور البحر.
بينما تغطي هذه الحصيلة جزءًا من العام، تشير منظمات الحقوق إلى أن العدد الفعلي للضحايا والمفقودين قد يكون أعلى بكثير بسبب أسفار واستراحات لا يتم الإبلاغ عنها، وغرق قوارب كاملة دون أن يلقى أي ناجٍ.
إحباط عمليات الهجرة من داخل الجزائر
من جانبها أعلنت السلطات الجزائرية أنها أحبطت نحو 100,000 محاولة للهجرة غير النظامية منذ 2024 وحتى 2025، كما عادت أكثر من 82,000 مهاجر إلى بلدانهم الأصلية في إطار جهودها الأمنية، بحسب تصريحات وزير الداخلية والنقل الجزائري ، سعيد سعيود. هذا الرقم يشمل محاولات انطلاق من الجزائر لأوروبا، إضافة إلى مهاجرين من دول أفريقية أخرى يمرون عبر الأراضي الجزائرية.
خلال زيارة وزير الداخلية الإسباني إلى الجزائر في أكتوبر 2025، أشار الجانب الجزائري إلى جهوده في إعادة سبعة قُصّر جزائريين موجودين في إسبانيا إلى وطنهم، وذلك ضمن ملف التعاون الثنائي حول الهجرة والرحلات غير النظامية.
تضاعف النزوع نحو الجزائر مقارنة بمسارات أخرى
تذكر تقارر صحفية عديدة ، أن المسار البحري من الجزائر إلى جزر البليار قد سجل نمواً في عدد الوافدين يفوق نسبة النمو في مسارات أخرى مثل الطريق الأطلسي نحو جزر الكناري، خصوصًا بعد تشديد المراقبة في المغرب الذي كان نقطة انطلاق مركزية في السنوات الماضية.
إلى جانب المسار الجزائري نحو إسبانيا، تبقى الهجرة غير النظامية عبر المتوسط ظاهرة واسعة. ففي عام 2024 وحده، وثّقت منظمة كاميناندو فرونتيراس أكثر من 10,400 حالة وفاة أو فقدان لمهاجرين في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا عن طريق مسارات مختلفة، أغلبها عبر الطريق الأطلسي لجزر الكناري، ما يسلّط الضوء على شمولية المخاطر في الممرات البحرية نحو أوروبا.

