B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

بحار جزائري يروي ل”Maghreb émergent” مغامراته لإنقاذ الحراقة

Par MAGHREB ÉMERGENT
13 فبراير 2025
بحار جزائري يروي ل”Maghreb émergent” مغامراته لإنقاذ الحراقة

أمين بوداني، إبن مستغانم، عضو طاقم باخرة « أوسيون فيكينغ » التابع للمنظمة غير الحكومية « أس أو أس ميديتيراني » التي تعمل على إنقاذ الحراقة على السواحل الإيطالية.

يروي أمين في هذا الحوار مع "مغرب إميرجنت" تفاصيل مثيرة عن مغامراته مع البحر ومع الحراقة الذين يتشبثون بأي شيئ يعتقدون أنه سينقذهم من الغرق

أمين، كيف نقدمك لقراء "مغرب إميرحنت"؟

أنا أمين بوداني، 42 سنة، أنهيت دراستي الجامعية في 2006. إنتقلت بعدها لاسبانيا وعشت هناك في الجهات الأربع من البلاد، تلقيت فيها تكوينات عديدة، بعدها قضيت فترة في الترحال بين إسبانيا وفرنسا إلى غاية سنة 2010، حيث قررت الاستقرار في بلاد الباسك. وهناك التحقت بمعهد علوم البحر في باسايا، عام 2014، حيث أصبحت بحارا بعد ثلاث سنوات من الدراسة، وإشتغلت في باخرة سياحية بين مينائي بلباو وسان سيباتيان.

بعد جائحة "كوفيد" تقلقيت رسالة عبر المايل من منظمة "أس أو أس مديتيراني" تبحث فيه عن بحار يتحدث اللغة العربية ولغات أجنبية أخرى. هي منظمة غير حكومية تشتغل في مجال الإنقاذ في الجهة الوسطى من حوض المتوسط، أي الطريق الأكثر فتكا بالحراقة حسب العديد من المنظمات الإنسانية.

إلتحقت بباخرة "أوسيون فيكينغ" النورويجية التي إستأجرتها "أس أو أس مديتيراني". هي باخرة إمداد طولها 72 متر وعرضها 15 متر، متكونة من غرف للنوم وقاعة للأكل وقاعة رياضية… الباخرة تكلف 14 ألف أورو يوميا. لدينا حياة إجتماعية على متن "أوسيون فيكينغ". نحاول الترويح عن النفس قدر الإمكان، لأن الفترة التي نقضيها في التدخل تتطلب منا أن نبقى في حالة طوارئ سبعة أيام على سبعة و24 ساعة على 24.

نحن طاقم متكون من 11 شخصا، منهم سبعة بحارين أربعة يكونون الفريق الطبي، منهم قابلة، بالإضافة إلى فريق الصليب الأحمر الدولي الذي يتدخل في المرحلة الثانية، أي ما بعد الإنقاذ… لدينا ثلاث زوارق "زودياك"، نستعملها في عمليات إنقاذ في غاية الدقة. نقوم بتدريبات شاقة عسكرية، وتدريبات على السرعة وعلى الدقة وبرودة الأعصاب… الخطأ غير مسموح به أثناء التدخل في عرض البحر، وعليه عندما نكون في المياه الدولية قرب ليبيا وشرق تونس نصبح عضوا واحدا.

ما هي العملية التي تأثرت بها أكثر؟

إنها تجربتي الأولى عام 2021. تلقينا إنذار بوجود زورق مطاطي على مسافة تسع ساعات من الإبحار، تحمل 130 شخصا، وهم في خطر. أمواج البحر كانت تصل لخمسة أمتار، غرفتي تقع أسفل الباخرة، فكنت أسمع الأصوات الرهيبة التي تحدثها الأمواج. قضينا ليلة مرعبة وفي الصباح أنزلنا زوارقنا للانطلاق في عملية الإنقاذ، وكنا على يقين أنهم لن ينجو أحدهم من العاصفة الماضية. رائحة الموت طغت على الجو الذي حولنا وكنت أرى الحسرة غي عيون جميع أعضاء الطاقم. صدقني إنها لحظات هوليودية.

عند وصولنا إلى المكان المحدد لنا، لم نجد سوى الجثث المتناثرة، أطفال نساء محجبات، رجال… كان علينا أن نعرج يمينا شمالا حتى نتفادى الاحتكاك بالجثث. صورة مؤثرة جدا، تعبر عن خيارات وقرارات العديد من الأطراف وتعبر عن وجود عديد الثغرات في العديد من القرارات السياسية.

وهناك عملية أخرى قمنا بها في عام 2023، كانت في غاية الصعوبة لأن السلطات الإيطالية لم تزودنا بالمعلومات الكاملة حول طبيعة الموقع والأشخاص الذين سنتدخل من أجلهم.

ماذا تقصد بالثغرات والقرارات السياسية؟

في الحقيقة عمليات الإنقاذ هي مهمة السلطات الإيطالية ونحن كمنظمات غير حكومية نتدخل لملأ الفراغ الذي تتركه السلطات الحكومية.

إذن في صيف من عام 2023 طلبت منا السلطات العسكرية الإيطالية التوجه إلى جزيرة تقع بين مدينة صفاقص التونسية ولومبيدوزا الإيطالية. الممر حديث الاكتشاف، حيث شجع نقص عمق البحر فيه، نشاط شبكات الحراقة. وصلنا إلى عين المكان المحدد ووجدنا زورق في خطر، قمنا بنقادهم… وبمجرد أن أنهينا العمل إكتشفنا زورق آخر فقمنا بإعادة إنزال زوارقنا وقمنا بإنقاد حوالي 60 شخصا، لنكتشف إنذار ثالث بوجود زورق آخر في خطر، ثم إنذار رابه وخامس… وهكذا بدأنا عملنا في حدود التساعة ليلا وطلع النهار ولم ننه العمل. قضينا ثلاثة أيام في الإنقاذ دون إنقطاع. أتذكر مثلا عندما نزعت قبعتي وإتكأت على قضيب حديدي للحظات قصيرة ثم عدت للعمل. باخرتنا إمتلأت فوق طاقتها وكان هناك حراقة آخرون بحاجة للمساعدة.

حينها إستنجدنا بباخرة إيطالية أكبر وزورقين لحراس الحدود الايطاليين تدخلوا لإنقاذنا… من بين الحراقة الذين أنقذناهم كانت هناك امرأة على وشك أن تضع مولودها، فطلبنا طائرة مروحية لاسعافها… وفي الوقت الذي كنا ننتظر الطائرة المروحية شاهدنا ثلاث زوارق تحاول اللحاق بنا والتشبث بباخرتنا.

إنه شعور طبيعي عند أي شخص يشعر بالخطر، لكن طاقم قيادة "أسيون فيكينغ" لاحظ أننا إذا لم نغادر المكان فسيلحقون بنا ولن نستطيع التحرك بعدها وسنغرق نحن أيضا. الحقيقة. قائد الباخرة قال لقائد المروحية أنه لم يبق لنا سوى حوالي سبعة دقائق لنغادر المكان، فقام بحركة نحو الخلف للابتعاد عن أولئك الحراقة الذين حاولوا اللحاق بنا، بينما المروحية ترافقنا في إنتظار الفرصة المناسبة لإسعاف المرأة الحامل. هذه قصة حقيقية وليست فيلما.

بعد الانتهاء من إنقاذ كل الحراقة تدخل القوات العسكرية الإيطالية، لتوقيف أعضاء المنظمة لنشاط الحرقة. وجدوا الزوارق كلها فارغة، فأخذوا يصرخون "ماذا فعلتم"؟ إعتقدوأ أننا أعضاء تلك الشبكة، وحينها إلتقيت بإبن بجاية الذي كان يعمل مترجما عند أفراد الجيش الإيطالي. سألته: العاصمة؟ رد علي: لا من بجاية. وقلت له أنا من مستغانم، وهكذا تحولنا لمترجمين، هو يترجم ما يقوله فريقنا لمسؤول الجيش الإيطالي وأنا أترجم ما يقوله العساكر الايطاليين لمسؤول طاقمنا.

ما عدا الصعوبات الميدانية لعملكم، ما هي الصعوبات الأخرى التي تواجهونها؟

دائما يتم تحذيرنا لما نكون في عرض البحر، من استعمال هواتفنا. هناك أخبار في غاية الحساسية لا يجب أن تقع بين أيدي ال"هاكر". نقضي شهر ونصف في عرض البحر نعقد كل يوم إجتماعا حول أخر مستجدات عملنا وعمل باقي المنظمات غير الحكومية وآخر القرارات السياسية والتقارير الإعلامية الصادرة بشأننا… وعليه أي معلومة نرسلها عبر هواتفنا لو تقع بين أيدي شبكات تهريب الحراقة سيتلونها ضدنا، خاصة في ظل وجود علاقة بين شبكات تهريب الحراقة في ليبيا وشبكات عنصرية في إيطاليا تتهمنا في كل مرة عبر وسائل الاعلام بمساعدة الناس على الهجرة السرية.

تقصد هناك علاقة بين شبكات تهريب الحراقة ومسؤولين سياسيين سواء في البلدان المستقبلة أو في البلدان الأصلية لهؤلاء الحراقة؟

هم يقولون أن ّأسيون فيكينغ" يجلب الحراقة، وهذا صحيح ما دمنا نقدم لهم المساعدة بإنقادهم ففي البحر ومساعدتهم بعد وصولهم إلى البر، حيث يجدون فرق الصليب الأحمر الدولي لتعالجهم وتساعدهم على تجاوز الآثار التي يسببها دخان البنزين على جلدهم… ويقدمون لهم الأكل والشراب…

لكن هل هذا يعني أن ظاهرة الحراقة ستتوقف لو يتوقف "أسيون فيكينغ" وباقي بواخر الإنقاذ عن العمل؟ لا طبعا، سيواصل الناس الحرقة حتى بدون وجود هذه البواخر والمنظمات غير الحكومية.

ماذا عن جنسيات الحراقة؟ هل يوجد جزائريين من بينهم؟

الحراقة غالبا فلسطينيون وسوريون ولبنانيون… فيهم الكثير من السودانيين أيضا والمصريين والإرتيريين بالإضافة إلى جنسيات جنوب الصحراء الافريقية. التونسيون نلتقي بهم في بعض الأحيان. أما الجزائريون، فالتقيت مرة واحدة بجزائري، كيف حدث ذلك؟ لدينا مهمة نقوم بها قبل أي تدخل، وهي الوقوف على منصة في مقدمة زورقنا نؤدي عليها ما يشبه مسرحية لجلب أنظار الحراقة وتوجيههم ومحاولة التأثير عليهم. لأن الشخص الذي يكون في حالة خطر لا يمكن أن تتوقع مادا سيفعل إعتقادا منه أنه سينقذ نفسه…

في مثل هذه اللحظات سمعت شخص يقول: "رايح نتشبك ياخو"، فقلت له "العاصمة ما تشبكش". لم يتوقع أن يجد شخص يتحدث بنفس لغته في المياه الدولية. كان لي حديث معه بعدما إنتهيت من العمل وأخبرني أن الحرقة أضحت صعبة جدا على الجزائريين. كما أخبرني انه تنقل من العاصمة على قسنظينة ثم إلى تونس التي كان بقي فيها لفترة يعيش حياة عادية حتى وجد نفسه وسط مجموعة تستعد للسفر سريا نحو إيطاليا، فركب الموجة.

حاوره: م.إيونوغن