B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

رسالة إلى “شروق” بعد غرُوب البث : سوَادُ الخطاب أخطر من السواد في البشرة

Par MAGHREB ÉMERGENT
2 مايو 2025
رسالة إلى “شروق” بعد غرُوب البث : سوَادُ الخطاب أخطر من السواد في البشرة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، اليوم الذي يُفترض أن نحتفي فيه بشرف الكلمة، ونستحضر فيه رمزية القلم كأداة تحرير لا تحقير، أبت قناة الشروق نيوز تي في إلا أن تحفر لنفسها قبرًا أخلاقيًا في عمق السقوط المهني. ففي لحظة يُنتظر فيها من الإعلام أن يرتقي، آثرت القناة أن تهوي، ليس في زلّة لسان، بل في خطاب كامل مشحون برائحة الكراهية، مسموم بلون البشرة، موجّه ضد مهاجرين أفارقة، لا لشيء إلا لأنهم… سمر.

نعم، في الجزائر. وفي يوم الصحافة تحديدًا. في بلد المليون شهيد، الذي كانت قارات العالم تهتف باسمه وهو يقود قوافل التحرر من الاستعمار والعنصرية. في هذا البلد بالذات، يخرج منبر إعلامي ليوزع شهادات “الشرعية الإنسانية” على أساس لون الجلد! وكأنها لم تكن الجزائر ذاتها التي احتضنت أبطال إفريقيا السمراء في ذروة نضالهم، وكأنها لم تكن قبلة لمانديلا ورفاقه، وكأن الجنوب الجزائري العظيم ليس جزءًا من الوطن، والوجوه السمراء ليست من أبناء هذا الشعب في كل ولاياته.

قرار التوقيف الكامل للبث لعشرة أيام، الذي صدر عن السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، ليس عقوبة بقدر ما هو صفعة أخلاقية، لعلها تذكّر هذه القناة ومن على شاكلتها، أن الصحافة ليست ساحة لتفريغ الأحقاد، ولا منصة لبث الكراهية المغلفة بشعارات الوطنية الزائفة.

منذ متى صارت السيادة تُحمى بالإهانة؟ ومنذ متى أصبحت السياسة تُمارَس عبر السخرية من البشرة، والتلميح العنصري، وإحياء قاموس الاستعلاء الاستعماري؟ لا فرق بين من ينكر الوجود الإنساني لآخر بسبب لونه، ومن ينكر الوطن على من لا يشاركه الاسم والقبيلة. وهذه سقطة أخلاقية، لن تصلحها عشرة أيام من التوقيف، ولا مائة اعتذار.

قناة الشروق لم تخطئ فقط في المضمون، بل في الذاكرة. ذاكرة الجزائريين الذين شاهدوا كيف تتلون القناة بحسب المصلحة، وكيف كتبت قبل سنوات عن الجنرال توفيق بوصفه “مطأطئ الرأس مثقل الخطى مُنكسر النَفس وإلى العظم مُحدودَب الظهر..”، في استعراض شامتٍ لأيام اعتقاله، ثم عادت بعد أن تغيّرت الرياح، لتسرد محاسنه وتغزل فيه خيوط الحكمة والقيادة. قناة لا تحتكم إلى قيم ثابتة، بل إلى مصلحة متحركة، مرة مع السجّان، ومرة مع السجين، ومرة مع من يدفع أكثر في سوق المواقف.

الصحافة التي تنزل إلى درك السخرية من لون الناس، لا تختلف عن أي خطاب سياسي مريض. بل هي أسوأ، لأنها تفعل ذلك باسم “الإعلام الحر”. وما حصل مع الشروق نيوز تي في ليس مجرد زلّة، بل هو نموذج متكامل لصحافة بلا بوصلة، بلا وازع، بلا حدود.

فليتذكّر القائمون على هذه القناة، ومن على شاكلتهم، أن الجزائر ليست ملكًا لمن يصرخ أعلى، ولا لمن يتغنّى بالشعارات في النشرات، بل لمن يدافع عن كرامة كل إنسان فيها، أكان من تمنراست أو تبسة، من جانت أو جيجل، من تندوف أو تلمسان، أو حتى من خارج الحدود ممن احتمى بتراب الجزائر يوم ضاقت عليه الدنيا.

إن أصحاب البشرة السمراء الذين سخرت منهم القناة، لا يحتاجون لتبرير وجودهم في الجزائر. هم فيها، منها، ولها. هم من يرفعون الراية في الصحراء، ويحمون الحدود، ويغنون في الأعراس، ويقودون الحافلات، ويعلّمون في المدارس، ويعالجون في المستشفيات. هم الجزائر، شاء من شاء، وأبى من اعتاد احتقار الناس.

وفي النهاية، لا نملك إلا أن نذكّر الشروق وكل من يشبهها: قد تطأطئون الرؤوس إذا ضُبطتم، وقد تعتذرون عندما تُعاقبون، لكن الكلمة إذا فسدت، لا يعيد طُهرها اعتذار، ولا يستر عارها صمت مؤقت.

سقطت “الشروق”، لا فقط حين تحدثت، بل حين تجرّدت من إنسانيتها… والبث قد يعود، لكن الأخلاق إذا غابت، لا .تُعاد

سعيد بودور.