سيبقى ربيع وخريف 2025 خالدين في تاريخ الاقتصاد الجزائري. ارتفع سعر الموز بشكل جنوني خلال شهر رمضان، ما أدى إلى توقيف العديد من التجار وإدانتهم بعقوبات قاسية. ثم تكررت الأزمة مع ندرة إطارات السيارات في بداية الخريف، فطبقت السلطات قانون مكافحة المضاربة بصرامة.
ومع ذلك، لا شيء يوحي بأن الاقتصاد الجزائري سيتخلص من ظاهرة الندرة والارتفاع المفاجئ للأسعار، لأن المقاربة الأمنية لا تعالج العيوب الهيكلية للاقتصاد الوطني.
قضايا المضاربة في المحاكم
قضت محكمة أرزيو بمجلس قضاء وهران أمس بإدانة شخصين بالسجن عشر سنوات وبغرامة قدرها مليون دينار، مع مصادرة 1,12 طن من الموز كانت على متن شاحنتهما. تعود وقائع القضية إلى بداية الشهر الجاري، حيث تم توقيف المعنيين في نقطة مراقبة مشتركة بين الدرك والجمارك. وقبل ذلك، أدانت محكمة السانية بوهران أربعة أشخاص بالسجن النافذ لمدة 12 سنة، بعد حجز 1,46 طن من الموز في مايو الماضي.
وتتراوح فترات السجن بين عشرة و20 سنة عبر مختلف محاكم الوطن منذ اندلاع أزمة الموز التي تزامنت مع شهر رمضان وعيد الفطر هذا العام. فارتفع سعر الكيلوغرام من 400 دج إلى أكثر من 800 دج نتيجة نفاد المخزون المستورد. كما حُجزت 34 حاوية في ميناء عنابة بسبب مخالفات وثائقية، وظلت مخبأة حتى تم ضبطها وتوزيعها، في حين وجّهت وزارة التجارة اتهامات إلى 53 مستوردًا، ونشرت «القائمة السوداء» وحددت سقفًا سعريًا بـ250 دينارًا للكيلوغرام، وقامت بتوزيع بعض الإمدادات عبر المتعاملين العموميين.
ما وراء الندرة
وأخفت حملة مكافحة المضاربة على الموز قضية أخرى، حيث كشفت التقارير الاقتصادية الأجنبية أن الجزائر أوقفت استيراد الموز من الإكوادور، أكبر مصدر عالمي للمادة، ما منع وصول كميات كبيرة إلى السوق الوطنية بشكل مفاجئ، وأدى إلى ندرة غير مسبوقة في الأسعار.
مع بداية الدخول الاجتماعي، تكررت القصة نفسها مع إطارات السيارات. تغطي الصناعات الوطنية، ممثلة بإيريس تايرز (Iris Tyres)، نسبة 60٪ من الطلب المحلي، بينما تقلصت حصص الاستيراد فجأة، فارتفع سعر الإطار من 12,000 دج إلى نحو 50,000 دج.
بعد الموز إطارات السيارات
وقد طالبت الأجهزة الأمنية بالقبض على المخالفين وصادرت مئات الإطارات في أوم البواقي وتيارت ومستغانم، وحُكم على المتورطين بعقوبات تصل إلى 10 سنوات وغرامات بلغت 1,5 مليون دج.
في كلا الأزمتين، وأزمات أخرى مشابهة عرفتها مادة الحليب المدعم والبطاطا والقهوة... اعتمد القضاء على المادة 13 من قانون رقم 21-15 المؤرخ 28 ديسمبر 2021، التي تنص على السجن من 10 إلى 20 عامًا والغرامات من 2 إلى 10 ملايين دج للمضاربة على المواد الاستهلاكية. كانت الأحكام تُصدر في جلسات سريعة، مصحوبة بمصادرة الممتلكات وحذف الأسماء من السجل التجاري وحظر مزاولة النشاط.
حدود المقاربة الأمنية لتسيير النشاط التجاري
أفضى هذا الرد القمعي إلى نتائج فورية عبر القضاء على المضاربة الظاهرة وتهدئة الرأي العام، لكنه لم يعالج جذور المشكلة، المتمثلة أساسًا في التبعية للاستيراد وضعف الطاقة الإنتاجية الوطنية وتعقيدات إدارية كثيرة والتغييرات المفاجئة في نظام الحصص المعتمد منذ سنوات للسيطرة على فاتورة الواردات.
يقول أحد الفاعلين في القطاع: «نركب العربة قبل الحصان. بدل التركيز على العقوبات، يجب تأمين الإمدادات وتبسيط الإجراءات». وقد أدى تشديد العقوبات إلى إفلاس العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.